فتح القسطنطينية
عدنان مامو


لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية عاصمة لها

فقد حاصر السلطان بايزيد مدينة القسطنطينية أربع مرات

أمر السلطان محمد الفاتح ، الذي دخل آيا صوفيا ، بقراءة الأذان هنا وقدم صلاة الامتنان.

تُعد القسطنطينية Constantinople من أهم المدن العالمية حتى قيل عنها: لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية عاصمة لها. وتمتاز القسطنطينية بموقعها الجغرافي والاستراتيجي عند التقاء قارتي آسيا وأروبا. واشرافها على مضيقي البوسفور والدردنيل.
أسس القائد الإغريقي "بيزاس  byzas" مستوطنة إغريقية على الشاطئ الأوربي لمضيق البوسفور في حوالي عام 688ق.م  و عُرفت باسم بيزنطة حتى القرن الرابع الميلادي. وبعد اعتناق قسطنطين الأكبر الديانة المسيحية في 313م شرع في إعادة بناء مدينة بيزنطة وتوسيعها في
الفترة 324-330م وأطلق عليها اسم روما الجديدة، وجعلها عام 330م العاصمة الرّسميّة للإمبراطورية الرّومانيّة، وقد عُرفت القسطنطينيّة بالعديد من الأسماء على مرّ التّاريخ؛ كبيزنطة، والأستانة، وإسلامبول، وإستانبول.


لقد بشّر النبي محمد صلّى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينيّة، فقد ورد في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" وبقي هذا الحلم يراود المسلمين، وكانت أولى محاولات المسلمين لفتح القسطنطينية
في خلافة عثمان بن عفان عام 32هـ/ 673م بقيادة معاوية بن ابي سفيان والي الشام الذي حاصر القسطنطينية بجيش بري واسطول بحري ولكنه لم يوفق في فتحها.


 جرت محاولتين لفتح القسطنطينية في العصر الأموي:


 المحاولة الأولى كانت في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي أرسل حملة عسكرية في سنة 672م بقيادة سفيان بن عوف وكان في عداد الجيش الكثير من الصحابة أمثال: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو أيوب الأنصاري، وفشلت الحملة في فتح القسطنطينية واستشهد ابو أيوب الأنصاري ودفن بالقرب من أسوار المدينة.


 أما المحاولة الثانية فكانت في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي أرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك في سنة 716م، على رأس جيشٍ بلغ تعداده ثمانون ألف مقاتل ويرافقه اسطول مؤلف من 1800 سفينة، لكن هذا الأسطول لم يتمكن من دخول خليج القرن الذهبي بسبب اغلاق البيزنطيين للخليج بسلاسل حديدية وقصف سفن المسلمين بالنار الإغريقية، وفي أب 718 م أمر الخليفة عمر بن العزيز بانسحاب الجيش والاسطول الإسلامي إلى بلاد الشام.


جرت عدة محاولات لفتح القسطنطينية في العصر العثماني؛ فقد حاصر السلطان بايزيد مدينة القسطنطينية أربع مرات؛ كانت أشدها في سنة 1395م حيث بنى السلطان بايزيد قلعة اناضولي حصار على الضفة الآسيوية من مضيق البوسفور وقد اضطر بايزيد لفك الحصار عن القسطنطينية لمواجهة تحالف أوربي سنة 1396م في معركة "نيكوبولس Nicopolis "على نهر الدانوب. ثم عاد بايزيد لحصار القسطنطينية للمرة الرابعة في الفترة 1399- 1401 م ولكن ظهور تيمورلنك 1336-1405 م في شرق الأناضول دفع السلطان بايزيد لفك الحصار عن القسطنطينية، وتحرك شرقا لمواجهه تيمورلنك في معركة انقرة.


وفي عهد مراد الثاني جرى محاولة في سنة 1422م لفتح القسطنطينية، ولكن اضطر مراد الثاني لرفع الحصار والتوجه بجيشه إلى الأناضول للقضاء على تمرد أخيه مصطفى.


وخلف محمد الثاني والده مراد الثاني في شباط 1451م والذي أتخذ عدة إجراءات تمهيدية في سبيل فتح القسطنطينية منها:


تشييد قلعة (رومللي حصار) سنة 1452 م وفي الجهة المقابلة لقلعة اناضولي حصار على الشاطئ الاوروبي لمضيق البوسفور على بعد 7 كم من اسوار مدينة القسطنطينية.


تكليف المهندس المجري "اوربان"Urban بتصنيع مدافع كبيرة.


أرسل قائده "طرخان" على رأس فرقة عسكرية في تشرين الاول 1453م الى شبه جزيرة المورة لمنع حاكميها "ثوماس وديمتريوس" من مساعدة اخيهما الإمبراطور "قسطنطين الحادي عشر".


أرسل بعض قواته لتطهير المناطق المجاورة للمدينة، وأجلى سكان القرى المجاورة لبوابات المدينة.


و لمواجهة الخطر القادم أرسل الامبراطور "قسطنطين الحادي عشر" في صيف 1452م عدداً من سفراءه إلى أوربا طلباً للمساعدة إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة؛ واشترط البابا "نيقولا الخامس 1447- 1455 م " اتحاد الكنيستين الكاثوليكية و الأرثوذكسية لتقديم الدعم، و قد وافق الامبراطور "قسطنطين الحادي عشر" في كانون الأول 1452م على اتحاد الكنيستين مما اثار معارضة كبيرة ضده من المتعصبين للمذهب الأرثوذكسي وبعد هذا الاتحاد ارسلت مدينة البندقية 10 سفن حربية والبابا 30 سفينة حربية.


كانت مدينة القسطنطينية محصنة بسور منيع يتراوح ارتفاعه ما بين 15-17 متر وسماكته 4 متر وله 20 برجاً، ويتقدم السور خندق بعرض 18 متر وعمق 9 متر، وللسور ثلاثة أبواب: باب أدرنه، باب القديس "رومانوس Romanos " اطلق العثمانيون عليه اسم باب المدفع فيما بعد. وباب العسكري


قسم السلطان جيشه الى ثلاثة اقسام:


الميمنة: وتضم جنود الاناضول بقياده اسحق باشا ومحمود بك تمركزت بين بحر مرمرة وباب المدفع.


الميسرة: تضم جنود من اوروبا ومتطوعين غير نظاميين بقيادة قراجة باشا.


القلب: وتضم جنود الإنكشارية بقياده السلطان وتمركزت بين باب المدفع وباب أدرنه.


وترك السلطان فرقة احتياطية بقيادة "زغنوس باشا الالباني" على المرتفعات الجبلية المطلة على حي غلطة لمراقبة الجنويين ومنعهم من تقديم المساعدة لمدينة القسطنطينية.


وفي اذار عام 1453 م تم نقل المدافع الكبيرة من أدرنه بواسطة 200 رجل و60 ثور وتركزت عند باب المدفع، وخطب الشيخ آق شمس الدين الدمشقي ـ معلم محمد الثاني ويُعد الفاتح المعنوي للقسطنطينية ـ أمام جنود الجيش العثماني حضهم على الجهاد في سبيل الله وطلب الشهادة، فانطلق الجنود وسيطروا على منافذ مدينة القسطنطينية. وفي 5 نيسان عام 1453 م بدأ حصار القسطنطينية.


فكر السلطان محمد الثاني في طريقة لتفادي السلاسل الحديدية التي تمنع السفن العثمانية من دخول خليج القرن الذهبي، فاستقر على نقل السفن العثمانية بالبر ثلاثة اميال، فأمر بوضع ألواح خشبية ودهنها بطبقة سميكة من الزيت والدهن وجر السفن عليها بعد أن طويت أشرعتها، قام محمد الفاتح بنقل سفنه من خلال ممر أنشأه في الجبال، وقد كان هذا الممر من قضبان خشبيّة مدهونة بالزّيت حتى تنقل السّفن بسهولة إلى الخليج وبهذه الطريقة نقل العثمانيون 70 سفينة من البر الى داخل خليج القرن الذهبي في ليله 21-22 نيسان. فأخذت سفن العثمانيين تسيطر على القرن الذهبي، ووصلت تحت أسوار المدينة.


وفي فجر يوم الثلاثاء الموافق 29 أيار سنة 1453م اشتدت المعارك بحراً وبراً ونجح العثمانيون باقتحام المدينة وقتل الامبراطور "قسطنطين الحادي عشر" ثم دخل السلطان محمد الثاني إلى كنيسة أيا صوفيا وأمر برفع الاذان وصلى صلاة العصر وعُرف بالفاتح لأهمية فتح هذه المدينة عاصمة الدولة البيزنطية، وأطلق عليها اسم (إسلام بول)، الذي يعني بالتركية دولة الإسلام.. وهكذا سقطت القسطنطينية بعد حصار دام 54 يوما من 6 نيسان الى 29 ايار عام 1453م.  وقد أمر السلطان بدفن جثة الامبراطور "قسطنطين الحادي عشر" وفق مراسم دفن الاباطرة السابقين. أمر محمد الفاتح بتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد للمسلمين بالإضافة إلى إقامة مسجد في المكان الذي دفن فيه أبو أيوب الأنصاري.
منذ اللحظة الأولى لفتح القسطنطينية شرع السلطان محمد الفاتح في تطبيق رؤيته لعاصمته الجديدة، ولم يردها مدينة عثمانية أو إسلامية فحسب، بل حرص على أن تعكس التنوع العرقي والثقافي الهائل لإمبراطوريته العثمانية.