حوار مع الأكاديمي والكاتب والسياسي ياسين أقطاي حول   السياسة الخارجية التركية والوضع الراهن في الشرق الأوسط وما يتعلق بأحوال العالم الإسلامي.

ياسين أقطاي: ستبقى تركيا متيقظة من أجل استقرار العالم الإسلامي


إراي صاري چام

لا يمكن نفرّ من تاريخنا أو من موقعنا الجغرافي، وتركيا منذ بداية الربيع العربي أحست بالمسؤولية التاريخية التي تجمعها مع شعوب هذه المنطقة الجغرافية ولعبت دورها على هذا الأساس، وأرادت بناء على هذه المسؤولية أن يكون رد الأنظمة إيجابياً على طلب الشعوب للحرية والديموقراطية والكرامة

والمشاكل والاضطرابات هي نتيجة أيضاً لإرادة التحكم والتدخل الخارجي أيضاً، بالإضافة إلى أنهم منذ مئة عام وهم يتحكمون بهذه البلاد مباشرة، وربما منذ مئتي عام بشكل غير مباشر، وعلى الأقل منذ مئة عام لا يوجد نظام حكم إسلامي له سلطة على هذه البقعة الجغرافية

تركيا ليست دولة ناشئة فهي منذ العهد السلجوقي والعثماني ولمدة أكثر من ألف سنة كانت حاكمة على هذه البلاد والتي صارت الآن أكثر من خمسين دولة، ولتركيا على هذا التراب ميراث تاريخي عريق

منذ زمن طويل ونحن نلاحظ أنهم من خلال الوضع في البلاد الإسلامية يحاولون رسم صورة مشكلة للإسلام، فنجد في وسائل الإعلام الغربي المسيطرة على الساحة أنهم يظهرون مشاكل الشرق الأوسط وكأن مصدرها الإسلام، برأيكم ماذا في جعبة تركيا تجاه هذا الوضع، ما هي الإجراءات التي تقومون بها أو التي يجب القيام بها، هل يمكن أن تحدثنا عن خارطة الطريق المحتملة لتركيا بهذا الصدد.?

 

أوروبا تعتبر محورية في هذه الأيام، والكلام عن منطقتنا هو وجه من وجوه هذه المحورية، وكون الشرق الأوسط دائم التعرض للمشاكل وهدم الاستقرار هو جزء من هذا المفهوم أيضاً، ولكن بنفس الوقت نستطيع أن نرى أن عدم الاستقرار والمشاكل المتواصلة هو نتيجة لتعاملهم غير الصحيح مع هذه المنطقة، وإن الإنسان أو المنطقة على قدر ما تكون مضطربة فإنها على ذلك القدر تكون مهيئة لأن يتحكم بها أو يتدخل بها من الخارج.

والمشاكل والاضطرابات هي نتيجة أيضاً لإرادة التحكم والتدخل الخارجي أيضاً، بالإضافة إلى أنهم منذ مئة عام وهم يتحكمون بهذه البلاد مباشرة، وربما منذ مئتي عام بشكل غير مباشر، وعلى الأقل منذ مئة عام لا يوجد نظام حكم إسلامي له سلطة على هذه البقعة الجغرافية، ومنذ الحرب العالمية الأولى حلت الرابطة بين الإسلام وبين السياسة والمجتمع وصار المجتمع الإسلامي بمثابة جسد غابت الروح عن أعضائه الكثيرة، وانفصلت هذه الأعضاء عن هذا الجسد رويداً رويداً، والأنكى من ذلك أن هذه الأعضاء صارت جزءاً من المجتمع الغربي وبدأت تتلاءم مع جسدها الجديد منقلعة عن جسدها القديم، وانتسابهم وحلمهم ولو كان يريد الانتماء إلى الإسلام إلا أنك لا تجد من الأحداث التي نعيشها ونراها شيئاً يمت إلى الإسلام بصلة بل ولا للمسلمين، والمسلمون لا حق لهم كمسلمين في الكلام أو في أن يكون لهم رأي في أي شيء، ولقد رأينا في الربيع العربي عندما قام المسلمون من أجل أن يلموا بعض أجزاء بدنهم المشتت رأينا النتائج بأم أعيننا، ولم نرَ من الديمقراطيات وحقوق الإنسان وما يتكلم به المستشرقون من المبادئ الإنسانية في مقابلة الثورات العربية، على النقيض تماماً وبينما كانت الضربات تتوالى على الثورات العربية الديمقراطية كنا نراهم يخططون ويتعاونون ضدها وعلى الأقل كانوا بمثابة مستشارين لأعداء تلك الثورات، في هذه الفترة تركيا كانت وما تزال تقوم بما يقع على عاتقها، فكانت تحاول النهوض بالشعب وتحقيق الديمقراطية والرفاه في المعيشة والرقي بالمجتمع، ولكن هذا لا يسر أوروبا في الحقيقة بل ربما تراها أكثر إشكالية من العراق ومصر وسوريا، لأنها لم يعد يمكن ضربها، وبدأت تأخذ خطوات انفرادية، ولقد عايشنا كثيراً من المشاكل بهذا الصدد كان هذا أساسها..

في أكثر من حديث لكم ذكرتم أن العالم الإسلامي ليس له رئاسة، ومع هدم نظام الخلافة قبل مئة عام، برأيكم هذه المشكلة هل سيكون لها حل قريب أو هل سيشهد العالم الإسلامي توحداً وسيغيب الإرهاب والفقر عنه، ومن أجل أن يكون قيادة للعالم الإسلامي ما الذي ينبغي فعله وما هو موقع تركيا في هذا الصدد؟?

إن تقنية القيادة لا شك أنها على جانب كبير من الأهمية، ولقد أوضح ماكس ويبر في بدايات القرن المنصرم أن شخصية القائد الملهم الكاريزماتي قد انقضى ليحل محله الحكم البيروقراطي الذي لا يتعلق بشخص فرد،  ولكن برصد الأحداث خلال القرن العشرين فإن سلسلة الأحداث تشير إلى أنها كانت دائماً تتعلق بالقائد القوي، مثل: غاندي، أتاتورك، لينين، ستالين، تشرتشل، هتلر، موسوليني، الخميني، وغيرهم، ويجب أن نتذكر أن شخصية كل واحد من هؤلاء القوّاد قم أسهم في رسم صورة مختلفة لبلده بل أثر في العالم، والقيادة ليست مفهوماً عفى عليه الزمن إطلاقاً، وعدم وجود قائد أو زعيم أو خليفة أو تكوين سياسي يمثل المسلمين هو المسؤول الأكبر ن الوضع المأساوي الذي يعيشونه، وحقاً إن هذا القرن الذي مضى مرّ على المسلمين وليس لهم رأس ولا لهم من يدافع عنهم وعن قضاياهم وهذا الوضع السيء الذي يعيشونه..

لقد زادت تركيا في السنوات الخمسة عشر الأخيرة مكانتها السياسية وقوتها العسكرية بشكل غير مسبوق، فنحن نتحدث عن مجال يمتد من شرق المتوسط إلى أفريقيا، ومن قطر إلى أوكرانيا، هل يمكننا أن نتكلم عن آثار وإسهامات هذه الشبكة من العلاقات على المستوى القريب والبعيد؟?

 

من الواجب أن نرى أن هذا الإنجاز ينبني بنسبة كبيرة على السياسة المستقلة غير التابعة، ومع وجود قيادة قوية بناء علاقات لتقوية الأسس التي تسهم في هذا البناء وهذا التقدم، وإن تركيا ما دامت تبني سياستها الخارجية استناداً إلى القيم فإن اصطدامها بالاتجاه النفعيّ المصلحي أثبت أنها على استقامة ، والسياسية التي تعتمد على المبادئ والقيم هي في الأصل مسلحة ومنفعة للدولة والشعب، وعلى العموم فإن السياسية القيمية جعل أسهم الصبغة السياسية لتركيا في ارتفاع، وإن الصومال التي كانت تعيش في فوضى مدمرة وقد قطعت آمالها من الإصلاح بدأت تلملم مسائلها من خلال الجهد التركي وبالذات من خلال السيد رئيس الجمهورية، فبدأت تنظم أمورها من جديد، وإن تركيا قد أدهشت المراقبين كونها بعلاقاتها وشراكاتها تفيد شركائها وتحرص على مصالحهم، وهي عنصر مع استفادته يحرص على فائدة شركائه، وإن معاهدة الدفاع التي وقعتها مع قطر والتي وقفت بوجه الحصار السعودي الإماراتي المصري البحريني والذي كان محاولة احتلال فأثبتت بإفشالها هذا الخطط أنها شريك يمكن الاعتماد عليه، وإلى جانب ذلك فإن تركيا التي تتجاوز صادراتها المئتي مليار دولار فإن منطقة نفوذها وتأثيرها تتسع يوماً فيوماً، وفي الحقيقة إن هذا بالنظر إلى الهدف الذي وضعته تركيا للوصول إلى عام 2023 يعد بعيداً نوعاً ما ولكنه ليس بالرقم الذي يستهان به، وبما أنه ما زالت هناك سنتان بيننا وبين الهدف فإننا نستطيع أن نرى أنه على الأقل يمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى مئتين وخمسين ملياراً، ونحن أيضاً نرى أن هذا الصعود السريع لتركيا لا يسر كثيراً بل يثير المخاوف والقلق لكثير من الدول المركزية في العالم، ولإيقاف هذا التقدم فإن عليا أن نتوقع كثيراً من المحاولات المختلفة، ونحن ننتظر مثل هذه المحاولات العدائية علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي بل نتخذ التدابير اللازمة ونستمر في مسيرة التقدم.

ومن جانب آخر فإن الموقع الذي وصلنا إليه يحتم علينا أن نتواجد في كثير من مواقع الأزمات، وإن النفوذ والرفاه التي وصلت إليه تركيا سيجعلها مطمح ومطمع الإرهاب واللجوء، ولذلك فإنها مجبرة أن تجعل خطوط دفاعها في مناطق أبعد، ولعلها ستجبر على التواجد في بقاع أخرى جديدة ، وستجبر على أن تعمل على متابعة رفع مستوى حقوق الإنسان في مختلف البلاد  الإسلامية، لأن الدماء في البلاد الإسلامية أرخص من الماء، والإخلال بحقوق الإسنان من أسهل الأشياء، ويتعرض مئات الآلاف من الناس في المعتقلات فقط  بسبب الرأي السياسي وممارستهم له، وهي مجبرة على متابعة هذا الأخلال بحقوق الإنسان في العالم الإنساني كونها مع توسعها أكثر بدأت تتأثر أكثر وبشكل مباشر بهذه القضايا، لأنها باتت ملجأ للناس الذين يمارس ضدهم هذا التعسف والإخلال بحقوق الإنسان، وهذا يتطلب أن تسعى وتتابع مع متابعتها لحالة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان أن تتابع أيضاً السعي نحو تطور ورفاه أكبر في دول العالم الإسلامي.

.

كيف تقيمون الموقف أو وجهة النظر التركية إلى ما يحدث في منطقتنا، ما رأيكم بجهود الجهات المختلفة من مراكز البحث التركية إلى معهد يونس أمرة إلى الهلال الأحمر وإدارة اللاجئين التركية وكيف تقيمون علاقتها وتعاملها مع الشعوب والدول في المنطقة؟?

مع ما سبق ذكره فإن تركيا في العشرين سنة الأخيرة قد وجدت في كثير من بقاع العالم وبالتوازي مع التطور الذي سبق ذكره فإنها أثارت الإعجاب بالأنشطة الكثيرة والكثيرة للإعجاب وما يمكن أن نعبر عنه بالقوة الناعمة أو القوة الموازية، تركيا ليست دولة ناشئة فهي منذ العهد السلجوقي والعثماني ولمدة أكثر من ألف سنة كانت حاكمة على هذه البلاد والتي صارت الآن أكثر من خمسين دولة، ولتركيا على هذا التراب ميراث تاريخي عريق، وتركيا وإن بدا أنها نسيت هذه البلاد مدة ما ولكنها عندما تعود إلى نفسها وتقف على قدميها فإنها تعود لتتذكر أنها كانت مسؤولة عن هذه البلاد، وهذه البلاد تنتظر من تركيا الصاعدة القوية دعماً لها، ولذلك فإن هيئة التخطيط والتعاون التركية تعمل على إحياء التراث العثماني وتركته في هذه البلاد وإلى جانب هذا إحياء الصلة الروحية والتاريخية بين تركيا وبين هذه البلدان، وكذلك من أجل تحقيق نهضة حقيقة فإنه يستعين بخبرات وتخصصات رائدة، ومع التذكير بالروابط مع تركيا في هذه البلدان فإن الاهتمام يزداد ويمتد إلى تركيا، وإن وقف يونس أمرة مع مرور الوقت ووجود طلاب من كل أنحاء العالم وحرصه على نشر اللغة والثقافة التركية في مختلف البلدان فإن وجوده في تلك الدول أثر تأثيراً إيجابياً في العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية وأقام جسوراً من هذه العلاقات مع تركيا، وعلى الرغم من أن تركيا ليست من الدول الغنية جداً إلا أنها مصنفة من أكثر الدول التي تقدم المساعدات الإنسانية من خلال مؤسسة العمل الإنساني (IHH) وكذلك منظمات وجمعيات خيرية كثيرة طبية وخيرية وكذلك الآفاد والهلال الأحمر وبعض الهيئات الرسمية الأخرى، وهذه المنظمات والجمعيات من خلال إيصالها المساعدات إلى بقاع مختلفة في العالم فهي في نفس الوقت تؤدي دوراً سياسياً بالإضافة إلى العمل الخيري الذي تقوم به، وهكذا ترتفع أسهم النموذج السياسي التركي في العالم، وفي الحقيقة أن هذه المساعدات فإنها لا تعد حت من حيث السياسة القيمية شيئاً من الخسارة الاقتصادية أو المادية، وهذا الأمر وإن لم يكن محسوباً له ومخططاً مسبقاً إلا إنه مع انتشار توسع هذه المساعدات الخيرية فإن الصادرات التركية تشهد أيضاً نمواً ملحوظاً إلى بقاع مختلفة من العالم، والهدف الذي تحدثنا عنه وهو تخطي الصادرات التركية لحد المائتي مليار دولار قد تأثر إيجاباً بهذه القوة الناعمة التي لفتت النظر إلى تركيا والناتج التركي فازداد عليه الطلب..

في النهاية ما هي نظرتكم لمستقبل العلاقة بين تركيا والشعوب المجاورة ودول الجوار؟

إن علاقة تركيا مع الجوار يختلف في الشرق عنه عن العرب ففي الجنوب الشرقي مع سوريا فإننا توحدنا تقريبا مع الشعب السوري، وإن ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف من السوريين الذين هم في تركيا بالإضافة إلى ما يقرب من ستة ملايين في المناطق المحررة مما يعني أن ما يقرب من عشرة ملايين سوري تحت الإدارة التركية، وهذا يعني أن السوريين الذين هم تحت الإدارة التركية يفوق العدد الذي يوجد تحت نظام الأسد فهناك لا يكاد العدد يصل إلى ثمانية ملايين نسمة على أعلى تقدير، وهذا مما يعني أن تركيا قد امتزجت مع قسم كبير من الشعب السوري، وأن يكون لهذا نتاج سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية من الواضح جداً، وربما لا يكون بنفس الحجم ولكن لنا مع العراق علاقات شبيهة بهذا، ومع إيران أيضاً هناك علاقات مستقرة وينظر الإيرانيون إلى تركيا على أنها ملهمة لهم، وإذا اتجهنا نحو الشمال قليلاً فإننا نستطيع نقول إن العلاقات مع أرمينيا سوف تنفرج ويكون هناك تقدم في العلاقة سواء كان عاجلاً أم آجلاً، وإن نظرنا بعد أذربيجان إلى منطقة بحر قزوين وما وراء النهر فإننا نرى على مستوى أعلى من توقع الانفراج في العلاقات مع تركيا، وتركيا في الحقيقة بناء على هذه التوقعات والآمال تلاقي شعوب المنطقة وعلى ضوء ذلك تنظر إلى جيرانها وتشكل أملاً وملهماً بالنسبة لهم..