التطهير العرقي للبوشناق في سربرنتسا في البوسنة
 YAZARالبروفيسور آدم فضلي أوغلو


الرئيس السابق لوقف لواء البوسنة الأكاديمي الثقافي التاريخي، ومعاون رئيس جمعية البوسنة تركيا، ومعاون رئيس اتحاد جمعيات الأتراك الروم.

والبوسنة في الأصل اسم لنهر وكان اسماً لدولة استمرت لمدة تسعة قرون وهي تحمل هذا الاسم، وهذا الاسم لم يتغير من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، والناس الذين عاشوا في هذه المنطقة دفعوا ضريبة العيش فيها بأرواحهم ودمائهم، ليحافظوا على هذا الميراث الذي تركه لهم أسلافهم. 

الصرب بدؤوا حملات تطهير عرقي على البوسنيين بدءا بسراي بوسنة ومروراً بكل المدن البوسنية وحاولوا استئصال شعب البوسنة (البوشناق) واقتلاعه من جذوره الثقافية والتاريخية والقضاء على وجوده في تلك البقعة.


رغم قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة الذي يقضي بتعيين المنطقة الآمنة بخمسين كيلومتراً في محيط دائري حول سربينتسا فإن ما يزيد على الخمسين ألفاً من السكان البوسنيين الذين فروا بأرواحهم واعتصموا بها قد عانوا رغم  قرار المنطقة الآمنة لمدة تزيد على السنتين من الحصار الجائر من قبل القوات الصربية المحاصرة بالإضافة إلى القصف المتواصل

“"البوسنة التي نقصدها ليست فقط هي التي تشكل جزءاً من أراضي البلقان، وبالنسبة للكثيرين منا البوسنة ليست وطناً فقط، بل هي فكرٌ، هي الإيمان الذي يجعل هؤلاء الناس هنا على اختلاف أديانهم وأعراقهم وثقافاتهم وعاداتهم، تجمعهم على شيءٍ واحد".”
علي عزت بيغوفيتش

“هناك مقولة تفيد بأن "الموقع الجغرافي قدرٌ"، وهذا ما ينطبق بشكل تام على مأساة البوسنة والهرسك، وتبدأ بإعلان استقلال البوسنة والهرسك 15/10/1991 بعد مقاطعة نواب البوسنة والهرسك في البرلمان وموافقة النواب الكروات على القرار، فاعترف الاتحاد الأوروبي باستقلال دول سلوفينيا وكرواتيا، واستخدمت اليونان الفيتو بشأن استقلال مقدونيا، واشترطوا للاعتراف بالبوسنة والهرسك أجراء استفتاء 15/10/1992، وأجري استفتاء من أجل استقلال البوسنة والهرسك، وقاطعه الصربيون، واشترك في الاستفتاء البوسنيون والكروات بنسبة سبعين في المئة من السكان، وكانت نتيجة الاستفتاء لصالح الاستقلال بنسبة 99 % في 1/3/1992، والصرب في البوسنة أعلنوا استقلاليتهم تحت اسم "ريبوبليكا صيربصكا" بمعنى جمهورية الصرب، وبدأ الصرب في شمال شرق البوسنة حملة تطهير عرقي ضد البوشناق في منطقة بيجالينا، وفي صباح اليوم التالي هاجمت الميليشيات الصربية بقيادة القائد العسكري أركان المدينة، وأمام هذا الهجوم المباغت الذي تعرض له البوشناق ولم يكونوا يتوقعونه ولا جاهزين له سقط المئات منهم صرعى، ولقد نشرت على سمع الدينا الصور التي تظهر الميليشيات الصربية وهم يركلون بأرجلهم الموتى من الرجال البوشناق وهم ممددون جثثاً على الأرض، وبدأت حملة تطهير عرقية بكل ما تعنيه الكلمة، وبدأ في 1/4/1992 هجوماً على كل التجمعات السكنية والبلدات البوسنة على ضفاف نهر درينا).

وبدأ إطلاق النار على البوسنيين الذين تجمهروا في تجمع مدني في سراي بوسنة ضد الحرب من قبل الميليشيات الصربية والجيش اليوغسلافي الذي تحت سيطرتهم، وكان أولئك الرافضون للحرب في سراي بوسنة أول ضحايا الحرب وصارت سعادا ديلباروفيتش رمزاً للحرب حيث قتلت هناك مع الرافضين للحرب، وحاصرت الميليشيا المسلحة للصرب مع الجيش اليوغسلافي الموجود معها حصاراً خانقاً على سراي بوسنا لمدة ثلاثة أعوام ونصف بدءاً بتاريخ 5/4/1992).

اعترف قادة الاتحاد الأوروبي باستقلال البوسنة والهرسك بالإجماع في 6/4/1992).

واعترفت الولايات المتحدة الأمريكية باستقلال سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك في 7/4/1992.

وأسس جيش البوسنة والهرسك بشكل رسمي للدفاع عنها بتاريخ 15/4/1992.

وتقسمت بذلك جمهورية يوغسلافية الاتحادية الاشتراكية.

وأنشئت على أنقاضها جمهورية يوغسلافية المتحدة بين صربيا والجبل الأسود بتاريخ 27/4/1992).

وقبلت البوسنة والهرسك عضواً في الأمم المتحدة بناء على القرار 727 بتاريخ 22/5/1992).

ورغم كل هذه التطورات فإن الصرب بدؤوا حملات تطهير عرقي على البوسنيين بدءا بسراي بوسنة ومروراً بكل المدن البوسنية وحاولوا استئصال شعب البوسنة (البوشناق) واقتلاعه من جذوره الثقافية والتاريخية والقضاء على وجوده في تلك البقعة، وذلك من خلال أفعال كثيرة منها القيام بمجازر جماعية في مناطق متعددة، وحاول الصربيون على الأخص في المناطق التي تشهد كثافة بوشناقية على ضفاف نهر درينا الغربية  وزفورنيك وبراتوناج وغيرها القيام بمجازر جماعية فظيعة في محاولة للتطهير العرقي هناك، وأرادوا فعل الشيء نفسه أيضاً في سربرينيتسا، وكان الهدف من ذلك هو محاولتهم فعل ما لم يتمكنوا منه عبر التاريخ من السيطرة على غرب نهر درينا وحيث إنهم كانت لهم دائماً مطامع في هذه البقعة، وأرادوا بمحاولة السيطر على غرب نهر درينا إنهاء كون النهر هو الحدود الفاصلة بينهم وبين البوسنة، والسيطرة على قسم كبير من أرضي البوسنة والهرسك لإقامة صربيا الكبيرة، ولقد استغلت الميليشيات الصربية الفوضى والتوزع للجيش البوسني ومن عامل المباغتة فاحتلت سربرينيتسا لمدة ثلاثة أسابيع وارتكبوا مجزرة فظيعة قتلوا فيها المئات من الناس الأبرياء دون التفريق بين شاب وشيخ وامرأة وطفل ومريض وعاجز أو امرأة حامل، ولكن البوسنيين في مدة قصيرة تجمعوا واستخلصوا سربرينيتسا من الميليشيات الصربية).

إن البوسنيين بعد أن استفاقوا من دهشتهم إثر المباغتة من الصربيين استعادوا سربرينتسا والمناطق التي تشكل أغلبية سكانية بوسنية مثل زيباكنت وزفورنيك وبراتوناج فالسانيجا وغيرها من المناطق المحيطة بها استعادوها من أيدي الصربيين، ولكن بعد مدة وجيزة سيتم حصار هذه المناطق كلها من قبل الصربيين حصاراً خانقاً، بحيث لم يعد هناك أي إمكانية لإيصال أي مساعدة عسكرية أو إنسانية إليها، كانت هذه الأحداث من عام 1992 إلى عام 1993 حيث قضى الناس هناك شتاء بالغ القسوة في ظل هذه الظروف، حتى إن هناك حالات من الموت جوعاً بين الناس قد سجلت.

وفي نهاية شهر كانون الثاني من عام 1993 هاجم جيش الصرب البوسني المناطق الصربية الآنفة الذكر فسيطر على منطقة زيبا وسربرينتسا وتقريبا على كل تلك المنطقة مما اضطر الناس القاطنين هناك إلى الفرار وترك كل شيء وراءهم بهدف النجاة بأرواحهم ولجؤوا إلى سربرينتسا وزيبا، وفي الأيام التالية عاشت هاتان المدينتان مأساة إنسانية، حيث إن سربرينتسا المدينة التي يعيش فيها عشرة آلاف نسمة بدأت تحاول استيعاب خمسين ألف نسمة، وكانت مزدحمة بشكل كبير إلى الحد الذي كان فيه الناس ينامون في الشوارع، والبعض بنى لنفسه مكاناً بدائياً في الغابة المجاورة ويحاول فيها أن يبقي على رمق الحياة.

1993 بدأ الصرب يحكمون الحصار على هاتين المدينتين ويكثفون الهجمات ويمطرونها بالموت والقصف محاولين بذلك أن يقضوا على المقاومة التي كانت في شرق البوسنة، وبخاصة تلك المجزرة التي ارتكبت في الثاني عشر من نيسان عام 1993 وذلك الهجوم الوحشي الذي ارتكبوه، حيث إن بعض فتيان هؤلاء الفقراء الذين لجؤوا إلى المدينة وقضوا سنة تحت الحصار وتحت الحاجة والفاقة والشتاء الصعب قد أطل عليهم الربيع فانطلقوا إلى حديقة في منشأة التعليم المتوسط يحاولون الترويح عن أنفسهم والترويح قليلاً إذ بهم في هذه اللحظات يمطرون بوابل من القذائف من مواقع تمركز القوات الصربية فكانت النتيجة المؤلمة تطاير أكثر من خمسة وستين شاباً أشلاء ممزقة وجرح المئات في تلك الحادثة.

وعلى أثر هذه الهجمات الوحشية أعلنت منطقتي سربينتسا وزيبا منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة في السادس عشر من نيسان عام 1993، ومعنى إعلان المنطقة الآمنة من الأمم المتحدة هو أنه تقول إن هذه المنطقة تحت حماتي ومسؤوليتي ولا يسع الأطراف المتحاربة أن تشن عملياتها العسكرية فيها، وبناء على القرار الأممي بإنشاء المنطقة الآمنة أخذت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة السلاح القليل الذي كان موجوداً بأيدي البوسنيين وقالوا لهم: بعد الآن أنتم تحت مسؤوليتنا ونحن من سيتكفل بحمايتكم..

ورغم قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة الذي يقضي بتعيين المنطقة الآمنة بخمسين كيلومتراً في محيط دائري حول سربينتسا فإن ما يزيد على الخمسين ألفاً من السكان البوسنيين الذين فروا بأرواحهم واعتصموا بها قد عانوا رغم  قرار المنطقة الآمنة لمدة تزيد على السنتين من الحصار الجائر من قبل القوات الصربية المحاصرة بالإضافة إلى القصف المتواصل بمدافع الهاون وغيرها من الأسلحة التي تزرع الموت وتحصد الحياة مع أنها تسمى المنطقة الآمنة، ومرة أخرى أمام سمع العالم وبصره سوف يقوم الصرب بأفظع الجرائم من التطهير العرقي في تلك المنطقة.

في الثامن والعشرين من أيلول عام 1993 قرر المجلس البوشناقي بالإجماع بعد لقاءات واجتماعات متعددة قبول كون الأمة البوشناق أمة مستقلة ولها هوية خاصة بها وحدد معنى مصطلح البوشناق، وكان المجلس الأول الذي يستعمل مصطلح البوشناق، في جلسة مجلس جمهورية البوسنة الذي انعقد بتاريخ 30 شباط ، 1994  ، وتم إقرار تسمية البوسنة والهرسك  بالبوشناق بدلاً من تسمية المسلمين في الدستور البوسني، وحسب اتفاقية دايتون مع كرواتيا تم استبدال كلمة مسلمين بكلمة بوشناق في الدستور الجديد، وحسب الإحصاء السكاني الذي أجري لسكان البوسنة والهرسك في الفترة الواقعة بين 1-15 تشرين الأول فإن سكان البوسنة والهرسك ولأول مرة في التاريخ يطلق عليهم البوشناق ويعرفون بذلك في هوياتهم بشكل رسمي..

28 وفي عام 1994 حاولت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أن تضغط على القوات الصربية، ولكن الصرب مانعوا ذلك وظلوا أكثر من سنة بتهديدات متبادلة مع القوات الدولية، وكانت الهجومات المتكررة من قوات الصرب تفتح المجال للضربات الجوية لقوات حفظ السلام فكان الصرب يردون على ذلك بأسر بعض الجنود التابعين لقوة حفظ السلام الدولية، وكانت هذه الجرأة من قبل الصرب تهزّ هيبة القوات الدولية، وكانت تشعر بما تحمله الأيام القادمة من حوادث، وكان الصرب من خلال حلمهم بإنشاء صربيا الكبرى، كانوا يحاولون تطبيق استراتيجية لتحقيق الاتحاد مع المناطق التي تحوي الصرب ضمن أراضي البوسنة والهرسك باستمرار، ففي عام 1995 وفي الأيام الأولى من تلك السنة قاموا بإجراء حصار خانق على المنطقة التي فيها قوات حفظ السلام وبما في ذلك الكتيبة الهولندية التي كانت مشاركة معها وهكذا فإن الأمم المتحدة قطعت مساعداتها الإنسانية عن السكان المحصورين في تلك المنطقة في سربرينتسا وتركتهم في ذلك المكان تحت الاحتلال والاحتجاز وللجوع والعطش وتكون بذلك قد هيأت الأرضية لعملية التطهير العرقي.

وطبق السيناريو خطوة خطوة، حيث إن سكان سربرينتسا والجنود البوشناق الذين جردوا من سلاحهم وأضعفت قوتهم البدنية وحالتهم المعنوية إثر ذلك الحصار الظالم ففت ذلك في عضدهم شيئاً فشيئاً، والقوى التي كتبت سيناريو الحرب وبدأت بتهيئة الظروف للسلام الذي سيفرض بعد شهور قليلة، وأعطوا الضوء الأخضر للميليشات الصربية لاحتلال سربرينتسا وزيبا في شرق البوسنة والهرسك والمناطق الواقعة في حدود المنطقة الآمنة التي أنشأـها القوات الدولية، وإن الأمم المتحدة رغم أمها تملك قوة هائلة مثل قوة النيتو ولكنها رغم ذلك لم تحرك ساكناً ولم تتصرف شيئاً حيال التجاوزات الصربية، وإن الحصار الخانق لمدة طويلة والهجوم المتلاحق على المنطقة بدأ يعطي ثماره،  فالسكان الذين يعانون الحصار والجوع والذين لا يملكون سلاحاً ومثلهم الجنود البوشناق الذين جردوا من سلاحهم آلوا إلى حال لم يعودوا قادرين على أن يدافعوا عن البلد، وصارت بذلك المنطقة الآمنة في سربرينتسا قد تعني أي شيء إلا كونها منطقة آمنة، ولأنّ كانت القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة مترددة بشان قرارا الاستفادة من القوى الجوية للناتو في مقابل التجاوزات والاعتداءات المستمرة للقوات الصربية فإن سربرينتسا وشك السقوط أمام الهجوم المسعور من قبل الميليشيات الصربية، فلجأ البوسنيون في المنطقة المحيطة بسربرينتسا إلى مركز المدينة، كان الجيش الصربي المهاجم الذي يتجاوز عدده عشرة آلاف جندي والمسلح بكل الأسلحة الثقيلة فأصاب الناس الذعر الشديد وعددهم أكثر من ثلاثين ألفاً والذين تعرضوا لإطلاق النار من قبل الصرب المهاجمين في لم يكن 10 تموز عام 1995 كان الناس العزّل وبينهم الأطفال والشيوخ والنساء والأبرياء يحالون حماية أنفسهم فلجؤوا إلى المقرات العسكرية لقوات حفظ السلام الدولية في قاعدتي شارلي وبرافو..

وقبل عدة أيام كان الجنود الصرب الذين أسروا جنود المجموعة الهولندية من قوات حفظ السلام وكان المواطنون العزل من الشيوخ والأطفال والنساء قد الجؤوا إلى القاعدة الهولندية هرباً من الموت والهجوم الغاشم للصرب، وعندما رأوا الجنود الهولنديين الذين لم يؤسروا يغادرون القاعدة فإنهم حاولا أن يصلوا إلى ما يستطيعون من مركبات القاعدة العسكرية للحفاظ على أرواحهم وهروباً مما يسمى المنطقة الآمنة وفي محاولة للوصول إلى المنطقة التي يسيطر عليها البوشناق.

وعندما اشتد الوضع صعوبة فإن القائد الهولندي في سبرينتسا صار في وضع خطر فبدؤا بمحاولة الحصول على دعم جوي وبتنسيق من قبل حكومته ومن قبل قوات حفظ السلام، ولكن مع كل ذلك لم يأت الدعم الجوي، ولكن مجلس الأمن في الأمم المتحدة أخذ إذناً شفهياً بالهجوم من الناتو في الساعة السادسة من يوم الحادي عشر من تموز عام 1995، وفي الساعة السادسة من ذلك اليوم انطلقت من قاعدة فينيسيا للإيطالية العسكرية الجوية ستون طائرة إلى سربرينتسا ولكن لسبب ما لم تصل إلى مواقع الصرب المعتدين وتقصف أهدافها في مواقع الصرب، وبدون أن تبقي أياً من قذائفها عادت إلى قواعدها، فتبين أن ثمة يداً خفية أمرت بعودتهم لتسنح الفرصة للصرب لإتمام مهمتهم الإجرامية، وهذا ما حصل.

طائرتان من طائرات الناتو في ذلك اليوم في الساعة 13،00 ألقت قنبلتين في هناك ودمرت دبابتين صربيتين، فهدد الصرب بقتل جميع الجنود الهولنديين الأسرى لديهم، فكان ذلك سبباً لتوقف عملية الناتو وإفساح المجال للقوات الصربية بإتمام مهامها من عملية التطهير العرقي هناك، فدخلت الميليشيات الصربية في الساعة 14.00 من ذلك اليوم 11 تموز 1995بقيادة ميلاديتش إلى سبرينتسا ويقول ميلاديتش: نحن الصرب في سربرينتسا نحن على موعد مع عيد كبير للصرب، ومنذ تمرد الصرب إلى يومنا هذا قد جاء وقت انتقامنا من الأتراك في هذه البلاد، وأهدي هذه المدينة إلى الصرب، وتسجل هذه الكلمات للقائد الصربي تحريضا للصرب وتعبيراً عن الحقد الدفين الذي تكدّس في الأعماق ضد الأتراك، وأساس الحرب وما سيعقبها من أيام تالية لذلك سيكون هناك أفعال إجرامية كبيرة تشكل البداية لحملة تطهر عرقية فظيعة.

هذه الكلمات من الكلمات التي وقف عندها الأكاديميون بالدراسة والبحث، لأن سربرينتسا منذ أن كانت تعود للبوشناق، ولم تكن للصربيين في أي يوم من أيام التاريخ، وبخاصة استعمال كلمة أتراك بدل كلمة بوشناق حيث تحمل إشارة إلى أن هذه الأرض أخذها الأتراك ويجب استعادتها وهذا من الأمور التي لا علاقة لها بالواقع والحقيقة،  ومن ناحية أخرى حتى لا يقعوا في يد الصرب فإن أكثر من خمسة عشر ألف شخصاً ما بين عمر 14-72 خرجوا في مسيرة الموت بين الأراضي المفخخة والغابات في المنطقة التي عبروها للوصول إلى المنطقة التي يسيطر عليها الجيش البوسني، وتحت حرّ تموز بدأت المسيرة والجوع والعطش أنهكهم في محاولة للوصول إلى منطقة الأمان، حيث كان ما يقارب الثلاثين ألفاً من الناس من الأطفال والشيوخ والنساء الأبرياء وهم يستقلون آليات قوات حفظ السلام يحاولون الصول إلى منطقة سيطرة الجيش البوسني، تماماً في هذا الظرف بالذات كانت عمليات الإبادة العرقية تتم.

ففي مسيرة الموت كان الجيش الصربي يقصف تلك الجموع التي تفر للنجاة بحياتها، وقسم آخر منهم كان يتطاير بسبب الألغام المزروعة، والبعض الآخر كان يقضي بسبب الهجوم الذي تشنه الميليشيات الصربية، وقسم آخر من هؤلاء المظلومين كان يؤخذ أسيراً ويساق إلى أماكن تجميع لهم، ثم بعد عدة أيام يبدأ قتلهم بإطلاق النار من الخلف عليهم وهم معصوبو الأعين وموثقو الأيدي بكل وحشية، وعلى هذا فإن الذين خرجوا في مسيرة الموت وصل منهم إلى ، مما يعني أن الصرب قتلوا ثلثيهم في المنطقة بين طوزلا ونزوك من الغابات، يعني ما يقرب من عشرة آلاف إنسان، ما بين قتيل وجريح، وحسب حملة الإبادة العرقية الجماعية التي خططت من قبل فإن كانوا يأخذون من يقبضون عليه إلى مراكز التجميع ثم يتم إعدامهم بشكل جماعي، وقد ثبت أنه ثم قتل جميع من أخذ من الأسرى.

وكذلك الذين التجأوا إلى القواعد العسكرية لقوات حفظ السلام من الأطفال دون الرابعة عشرة وكبار السن تم وضعهم في حافلات ولكنهم أوقفوا وأنزلوا ثم سيقوا إلى مراكز التجميع ثم قتلوا بكل وحشية وانحطاط في الأيام التالية، كان الصرب المسعورون قد التفتوا أيضاً إلى البوسنيين الذين بقوا في قواعد قوات حفظ السلام ممن لم يستطع المغادرة في بوتوجاري وفازيونيجا فقد دخلوا بينهم وبدؤوا باغتصاب النساء والفتيات وبدؤوا بذبحهم حتى الأطفال بل حتى الرضّع منهم فحزوا أعناقهم بكل وحشية، وفي الأيام بين 11-16 من تموز كانت هناك مجازر ومقابر جماعية، ويبقى منها وصمة عار تلطخ جبين الأمم المتحدة والصرب عبر التاريخ فهم يقولون للعالم المتحضر  8372شهيداً قضى في تلك المجازر، وكانت قطعان القتلة من الصرب وفي محاولة منها لتخفي الأدلة على تلك الجرائم الفظيعة والمقابر الجماعية فقد قامت بنقل الجثث التي دفنتها في سيربرنتسا وما حولها  لتقوم بنقلها بعد شهرين أو ثلاثة إلى مناطق أخرة فتحت فهيا مقابر جماعية جديدة بهدف إخفاء آثار جريمتها.

وهذه الجريمة النكراء من جرائم الحرب ضد الإنسانية من قبل ميليشيات خرجت عن السيطرة ليست حوادث حرب بل هي جريمة إبادة عرقية قد خط لها منذ زمن قديم وبشكل دقيق ومفصل من قبل الصرب، وهناك عشرات الأدلة على ذلك، فالحصار الخانق الذي فرض قبل أشهر على سربرينتسا، ثم فصل الذكور عن الأطفال والنساء بعد دخولها، وتهيئة مراكز التجميع والتحقيق من قبل، وإحضار فرق التحقيق والإعدام من قبل من صربيا، وتحديد أماكن الإعدام والقتل من قبل، وإحصار آلات ضخمة من أجل المقابر الجماعية قبل بدأ الأحداث، وتجهير حافلات وعربات ضخمة لنقل الأسرى أيضاً، وأمر السائقين بالقتل من أجل إشراكهم بالجريمة، ومن أجل تحديد هوية الأسرى أمرهم بخلع أحذيتهم وغمض أعينهم وربط أيديهم ، وكل المواد اللازمة من اجل فعل ذلك كان جاهزاً منذ زمن، فعي أدلة كثيرة وتفصيلية عن عظم الجريمة، تثبت كلها أن جريمة التطهير العرقي في البوسنة كانت خطة محكمة.

وفي يوم 28 آب عام 1995 نتيجة الهجوم بقذائف الهاون على المدنيين في السوق في مدينة ماركالا، فإنه في يوم 30 آب عام 1995 في الساعة 2.00 صباحاً اتخذ الناتو قرار استخدام القوة، ورغم كل ما حصل من هذه الأحداث الدامية فإن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت ثقلها ما أجل فرض اتفاقية سلام بمضمون اتفاقية دايتون للسلام  في 25 تشرين الثاني عام 1995 في دايتون، وتم اعتمادها وقبولها وتوقيعها في ولاية أوهايو، وفي نفس السنة في 14 كانون الأول تم توقيع تلك المعاهدة بشكل رسمي في قصر الإليزيه أثناء حفل لتوقيع الاتفاقية، وأهم ما كان في المعاهدة هو وقف الحرب والاعتراف بالبوسنة والهرسك كعضو وجزء من المجتمع الدولي، وتتمثل أهم الأحكام السلبية لاتفاقية دايتون للسلام في أنها تفرض سلاماً غير عادل يعرض السكان من غير الصرب، يعني البوسنيين للتمييز بسبب انتماءاتهم الدينية والعرقية والقومية، وإن جمهورية البوسنة والهرسك دولة واحدة من إقليمين مختلفين هما اتحاد البوسنة والهرسك وجمهورية صربيا، وهما جزءان متعارضان في الحقيقة من حيث الإدارة والنظام السياسي، وهكذا فإن جريمة احتلال الصرب للمنطقة، وإنشاء دولة مزيفة والقيام بجرائم التطهير العرقي كلها اعتبرت مشروعة أمام القانون.

وأنشئت محكمة (EYUCM) الدولية في عام 1993 من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل النظر في جرائم الحرب، وكانت المحكمة التي ألقت القبض على الرئيس السابق ليوغسلافيا وصربيا سلوبودان ميلوسوفيش وحولته إلى محكمة لاهاي الدولية فكانت خطوة قوّت من موقفها، وفي النهاية في عام 2008 وعام 2011 بعد عشر سنوات من الملاحقة تم القبض على آخر قائدين صربيين في حرب البوسنة وهما رادوفان كارجيج ورادكو ملاديتش في صربيا وتم سوقهما للمحاكمة، وكانت محكمة (EYUCM) قد نظمت قائمة ادعاء  تضم 161 شخصاً ممن قام بجرائم الحرب في أراضي يوغسلافيا السابقة، وبدأ التحقيق مباشرة مع أولئك الأشخاص، وكان في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي دراسة لاعتبار ما جرى في البوسنة والهرسك هل هو جريمة تطهير عرقي أم لا ، وهل تعتبر دولة  صربيا مسؤولة عنه أم لا وذلك بقرارها بتاريخ 26 شباط 2007، وبناء على هذا فإن هيئة المحكمة المشكلة من خمسة عشر عضواً اتخذت قراراً ملخصه: أنه يوجد جرمة إبادة عرقية ولكن لا يوجد أدلة كافية على ارتكاب صربيا لهذه الجريمة، يعني أن دولة صربيا لم تقم بمذابح التطهير العرقي ولم تحرض عليها ولم تشترك فيها.

مات سلوبودان ميلوسوفيتش في زنزانته في السجن، وحكم على رادوفان كاراجيج رئيس جمهورية صربيا أثناء الحرب على البوسنة بالسجن لمدة أربعين عاماً، بسبب اشتراكه في جرائم الحرب في البوسنة من قبل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وقام المحققون في الاتحاد الأوروبي في عام 2019 بزيادة مدة السجن لتكون مدى الحياة، وكذلك قائد الجيش الصربي الجنرال راتكو مالديتش كان من بين الذين حكم عليهم بسبب جرائم الحرب تلك، وتم التصديق على القرار في عام 2021 في شهر حزيران من قبل محكمة التمييز.

وفي سربرينتسا تم حتى الآن استخراج 6900 جثة من المقابر الجماعية وتم تثبيت هوياتهم، ومازال البحث جارياً عن 1700 شخصاً من ضحايا تلك الجرائم، فقد حوصرت سربرينتسا لمدة ثلاث سنوات ونصف وهو أكثر حصار في العالم، ثم قتل فيها 18899 شخصاً، تم تدمير المكتبة الوطنية، وتم العمل على محو ذاكرة شعب بأكمله، فقد تم تدمير ما يقرب من 200 ألف مخطوط وما يقرب من مليون ونصف كتاب أحرقت، فتم تدمير المدينة وتدمير ثقافتها، وأجبر أكثر من مليوني شخص على ترك بيوتهم، وقام الصرب باغتصاب 44 ألف امرأة بوسنة بشكل منظم ومخطط، وتم إجبارهن على إسقاط الحمل، وتم خلال الفترة بين 1992- 1995 قتل ما يقرب من 200 ألف إنسان من البوسنيين بلا تمييز بين طفل وشيخ وامرأة ورجل، ولا يعرف بالضبط عدد الجرحى و الإصابات، والبوسنة في الصل اسم لنهر وكان اسماً لدولة استمرت لمدة تسعة قرون وهي تحمل هذا الاسم، وهذا الاسم لم يتغير من ذلك اليوم إلى هذا اليوم، والناس الذين عاشوا في هذه  المنطقة دفعوا ضريبة العيش فيها بأرواحهم ودمائهم، ليحافظوا على هذا الميراث الذي تركه لهم أسلافهم، وتم اعتماد هذا الاسم في الدستور وسيبقى إلى الأبد حياً ولن يتراجعوا عنه.

إلى الأبد وهي الحقيقة التي لن تتغير