كهرمان مرعش بين الشعر والزلزال

لم تكن الرحلة بين جدة ومدينة كهرمان مرعش سهلة وقصيرة، بل كانت طويلة ومرهقة، لكنها كانت ممتعة إلى حد لا يمكن وصفه.

فكل شيء إذا أخذته على محمل المتعة رغم صعوبته سيكون ممتعا، وهو ما كان معي منذ أن غادرت مطار الملك عبدالعزيز بجدة متوجها إلى مطار إسطنبول، حيث كان الرحلة  ساعة متأخرة من الليل، حينها قطعت مطار جدة إلى صالة المغادرة مشيا وقد فوجئت بتلك المسافة التي تفصل بين بوابة التفتيش وبين بوابة المغادرة، ورغم أن شابين في المطار نصحاني بأخذ القطار بدلا من السير على قدمي إلا أنني للأسف تجاهلت نصيحتهما، لأفاجأ بمسافة طويلة لم تكن في الحسبان.

صعدت الطائرة وأنا مرهق من السير كل تلك المسافة وأخذت مقعدي في الطائرة التي قطعت المسافة بين جدة واسطنبول في أربع ساعات تقريبا، كانت الرحلة هادئة ومريحة، وحينما دخلت مطار إسطنبول تشتت ذهني من الأعداد الكبيرة من الناس ومن المسافات الطويلة التي تفصل كل منطقة عن أخرى، وبعد عناء اهتديت إلى الصالة التي يجب أن أكون فيها، وتم لي الأمر ودخلت صالة الرحلات الداخلية والتي تتباعد بواباتها بشكل غير عادي، وبينما أنا جالس في أحد الأماكن إذا بأخي وصديقي الشاعر والإنسان النبيل زهير أبو شايب الذي سيرافقني في الرحلة إلى مدينة كهرمان مرعش وسيشاركني الأمسية الشعرية المقررة لنا في مهرجان كهرمانمرعشالدوليللشعر، جلسنا بعض الوقت في المقهى ثم ذهب كل إلى رحلته، حيث ذهب إلى كهرمان مرعش مباشرة بينما ذهبت إلى غازي عنتاب ومن ثم أخذت سيارة إلى كهرمان مرعش، وصلت وقد وصل الإرهاق أقصى مداه.

بدأ المهرجان اليوم التالي ليوم الوصول، وقد فوجئنا أنا وزهير أبو شايب وياسر الأطرش بكثافة الحضور وتنوعه وبدأ الحفل وسط تفاعل لما أشاهد مثله من قبل وقرأ بعض الشعراء الأتراك قصائد لشعراء كبار من مدينة كهرمان مرعش والتي تعرف بأنها مدينة الشعراء، ثم تلا ذلك حفل موسيقي مبهر، وفي الثاني كانت أمسيتنا، حيث ألقينا القصائد باللغة العربية والترجمة إلى التركية تظهر على شاشة كبيرة في الخلف، وفي اليوم الثالث كان هناك حفل تكريمي وموسيقي جميل وسط حضور كبير.

كان الاستقبال رقيا والحفاوة غير اعتيادية سواء من اللجنة المنظمة أو من السيدة بيران موت والمجموعة التي كانت معها، لقد احتفوا بنا كثيرا منذ وصولنا وحتى مغادرتنا.

مدينة كهرمان مرعش مدينة ريفية تقع بين الجبال وتتميز بحميمية أهلها وتعاملهم الجميل، إضافة إلى اهتمام رئيس بلديتها الذي احتفى بكل من شارك في المهرجان

كما تتميز بالمشاريع الكبيرة فيها، حيث العمائر المرتفعة التي للتو تم الانتهاء من بنائها أو تلك التي مازالت تحت الإنشاء.

لقد كانت رحلة ثقافية من أجمل الرحلات الثقافية في حياتي وقد تركت أثرا إيجابيا في نفسي.

وحينما بدأت أكتب مقالا عن هذه الرحلة بتفاصيلها جاء الخبر المفزع والمؤلم حيث وقع الزلزال في هذه المدينة الوادعة والهادئة، وقد حزنت كثيرا لما أحدثه الزلال من خراب ودمار في جنبات هذه المدينة التي سكنتها قبل شهرين من وقوع الزلزال بكل أسف.

لقد حزنت على أصدقاء شاركوا معنا في المهرجان وماتوا في الزلزال وحزنت على الأصدقاء الذين فقدوا أقاربهم أو ممتلكاتهم.

لقد خرجت من كهرمان مرعش وقد كنت على يقين بأنني سأعود إليها، وسأفعل متى ما سنحت لي الفرصة.

لقد كان المهرجان ممتليئا بالثقافة والشعر وكانت مدينة كهرمان مرعش حفية وكريمة بضيوفها، وأنا على يقين بأنها ستعود بعد كارثة الزلزال أقوى وأجمل، وسيعود أهلها أكثر صبرا ونشاطا لإعادة بناء ما دمره الزلزال.

شاعر وأكاديمي

جدة- السعودية