الأمير عبد القادر الجزائري: أيقونة الثورة
                                                                أحمد مظهر سعدو

هو الذي قاد فرساناً جزائريين بإمكانيات جد ضئيلة،  كي يتصدى لجيش كان يعتبر في حينها من أقوى الجيوش

لم يكن  الأمير عبد القادر يحب الترف في الملابس، وكانت كسوته بسيطة لكنها نظيفة، وكان غاية في التدين، ويحمل دوماً مسبحة،


الأمير كان  يشجع الشعراء والكتاب الذين كانت أناشيدهم الملحمية تغذي إيمان المقاتلين، وكان يتذوق الشعر، وله ملكة شعرية، تدلنا أشعاره عليها، وتسجل أشعاره فترة تجديد في الشعر الجزائري

   الأمير عبد القادر الجزائري كان واحدًا من هذه القامات المهمة، التي بنت لنفسها موقعًا في قلوب كل الناس، ليس في الجزائر فحسب، بل في المشرق كما في المغرب، وفي كل بلاد العرب، وبلاد االمسلمين قاطبة.

في حياة الشعوب شخصيات وطنية وقامات ثورية لاتبرح الذاكرة أبدًا، فهي تعيش في مخيال الناس أبد الدهر، وتترك لها الأثر المهم الذي يؤسس لاشتغالات وطنية ضد المستعمر/ ومن أجل الشعوب، ولعل الأمير عبد القادر الجزائري كان واحدًا من هذه القامات المهمة، التي بنت لنفسها موقعًا في قلوب كل الناس، ليس في الجزائر فحسب، بل في المشرق كما في المغرب، وفي كل بلاد العرب، وبلاد االمسلمين قاطبة.

يعتبر الأمير عبد القادر من علماء الصوفية، كما أنه فيلسوف إسلامي بنزعة إنسانية، بالإضافة إلى كونه قائدًا عسكريًا مدهشًا، وهو الذي قاد فرساناً جزائريين بإمكانيات جد ضئيلة،  كي يتصدى لجيش كان يعتبر في حينها من أقوى الجيوش.

جاء الأمير عبد القادر إلى الحياة في 6 أيلول/ سبتمبر من عام 1807 وولادته كانت في مدينة بالقرب من المعسكر في الجزائر. وتنتمي عائلته إلى عائلة الأدارسة حيث يمتد النسب فيها إلى النبي محمد (ص) وهم من كانوا في لحظات زمنية معينة حكامًا في المغرب العربي عمومًا،  وفي  الأندلس، أما والده الشيخ محي الدين فكان شيخًا للطريقة القادرية الصوفية في الجزائر.

في عام 1823 خرج والده من أجل فريضة الحج مصطحبًا معه عبد القادر وقد  تعلم عبد القادر الكثير خلال هذه الرحلة التي دامت عامين اثنين. أما جد الأمير عبد القادر فهو مصطفى الذي أسس الزاوية القادرية، نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، بعد أن زار مدينة بغداد عام (1791م). كما اشتهرت أسرته بالورع، وكانت قدوة للناس في الجهاد والعلم.

ولقد سمع الأمير عن ذلك التصوف من والده الذي لا شك قد حُفر في ذاكرته، وهو محاربة والده لبعض أصحاب الطرق الصوفية الشاذة.
لم يكن  الأمير عبد القادر يحب الترف في الملابس، وكانت كسوته بسيطة لكنها نظيفة، وكان غاية في التدين، ويحمل دوماً مسبحة، ونادرًا مايقف عن التسبيح بها ذاكراً اسم الله، وكان باستطاعته امتطاء الخيل لمدة يوم أو يومين، وكان (زاهداً مثالياً، كان الأكل عنده ـ على الأكثر «الروينة» وهي نوع من العصيدة مصنوعة من طحين وحليب، فلم يكن يقبل الطعام إلا لقوته وليس لذاته، ففي قلة الأكل وفرة للصحة هذا ما كان يقوله، وكان عفيفاً عن الأموال، ويمتنع من اقتطاع أي شيء من الخزينة العامة لأغراضه الشخصية، وكان يراقب عامليه ويمنعهم من الإسراف، كما كان يحب الكتب، ويهتم بجمع المخطوطات).

الأمير كان  يشجع الشعراء والكتاب الذين كانت أناشيدهم الملحمية تغذي إيمان المقاتلين، وكان يتذوق الشعر، وله ملكة شعرية، تدلنا أشعاره عليها، وتسجل أشعاره فترة تجديد في الشعر الجزائري، يكمن طابعها الجذاب دائماً في كونها ذات علاقة بالفعل والعمل وأنها تحمل إيمانه الوطني، وكلها مهدت لتجديد أدبي ينسجم مع مرحلة النضال والكفاح والجهاد.

بعد أن عاد إلى الجزائر تفرغ عبد القادر للتأمل والقراءة وفي عام 1830 تعرضت الجزائر لاحتلال استعماري فرنسي ثم بدأ الشعب الجزائري حالة كفاح ونضال ضد المحتل الفرنسي. وقد بايعه الجزائريون عام 1832 في شهر تشرين ثاني /نوفمبر أميرًا عليهم وذلك بعد مرور عامين متواليين على الاحتلال الاستعماري الفرنسي للجزائر. كان عبد القادر في عمر صغير لم يتجاوز الـ 25 من عمره عندما تمت البيعة له، بعد أن اعتذر أبيه عن الإمارة ثم عمل على اقتراح نجله عبد القادر بدلًا منه.

واتخذ عبد القادر من بلدة المعسكر عاصمة له، وعمل على  إنشاء الجيش  محققًا انتصارات كبيرة ضد الفرنسيين. وأدت هذه الانتصارات إلى إجبار المستعمرين الفرنسيين على توقيع هدنة معه، ثم أدت إلى توقيع  اتفاقية تافنا عام 1838 حيث اعترفت فيها فرنسا بسيادته في وسط الجزائر وغربها أيضًا.

عمل الأمير من خلال مقاومة مريرة وصعبة اضطر بعدها ومن كان معه، ونتيجة ضعف الامكانيات العسكرية  للاستسلام للقوات الفرنسية عام 1847 مع شرط السماح بانتقاله إلى الاسكندرية في مصر، أو إلى عكا في فلسطين، لكن لم يوف الفرنسيين بوعودهم، وتم نقله إلى فرنسا وسجنه في السجون الفرنسية.

ثم قرر رئيس الجمهورية الفرنسية لويس نابليون بعد ذلك  إطلاق سراحه وتسفيره إلى تركيا في عام 1852 وانتقل إبان ذلك للإقامة في  دمشق عام1855.

ويذكر المؤرخون أن فتنة طائفية وقعت عام 1860 في بلاد الشام  بين الدروز والمسيحيين الموارنة، فلعب الأمير عبد القادر دورًا بارزًا في احتواء المشكلة، ومن ثم  التوسط بين الطرفين وحلها كليًا.

يعرف عن الأمير عبد القادر أنه  كان فقيهًا وشاعرًا وكاتبًا وقارئًا نهمًا ودبلوماسيًا، ويتكيء في ذلك إلى نزعة صوفية. أما وفاة الأمير عبد القادر فكانت في 24 أيار/ مايو 1883 في مسكنه في ضاحية دمر قرب مدينة دمشق عن عمر ناهز 76 عاماً، ثم جرى دفنه بجوار الشيخ محي الدين ابن عربي، تنفيذاً لوصية أوصى بها، ثم طلبت حكومة الثورة الجزائرية التي انتصرت على الفرنسيين وأخرجتهم عام 1965 نقل جثمانه إلى الجزائر، حيث دفن في المقبرة العليا هناك.

رحم الله الأمير عبد القادر الجزائري، الذي كان مثالًا يحتذى في الإخلاص لقضيته، وقائدًا مغوارًا ورجل سياسة ودين، طيب المعشر، لا ينحني إلا للحق، وعلمًا مهمًا من أعلام الإسلام والعرب.