الاشتراك اللغوي وأثره على العلاقات العربية التركية

د. عبد الجواد حردان]

اللغة التركية لغة حية تتمتع بحيوية متميزة حيث أنها تتشارك مع لغات الشعوب المجاورة بكثير من الكلمات وخاصة اللغة العربية واللغة الفارسية، فمثلاً هناك الآلاف من الكلمات المشتركة بين اللغتين ولا يقتصر الأمر على الكلمات بل هناك اشتراك أيضاً في الأمثال وأساليب التعبير والمقال التالي يؤسس لهذه الفكرة. .

عثرنا على آلاف الكلمات العربية في اللغة التركية، ومثل ذلك أو أقل بفارقٍ يسير من الكلمات التركية في اللهجات العامية لدى دول العالم العربي، ولم يقتصر الاقتراض اللساني في التركية على المعجم القرآني والنبوي بل ثمة مجالات أخرى.

جودة الاتصال اللغوي شرط لتأسيس علاقات تفاعلية بين العرب والأتراك، وأساسٌ للعبور إلى القلوب والتعبير عن الخواطر والمشاعر، وأصلٌ بل ركنٌ مكين للتخاطب والتعايش، فالتواصل السليم يؤسس لأواصر مجتمعية سليمة، وإن لك أن تقول: اضمن لي اتصالًا وتواصلًا جيدًا بين العرب والأتراك أضمنْ لكَ السِّلْم والأمن والتعايش الاجتماعي فيما بينهم..

 

كثيرة هي المشكلات الناجمة عن سوء الفهم وانقطاع شبكة الاتصال بين المرسل والمستقبل، وهو ما أوجب الاستعانة بالترجمة في العقود ونحوها مثلًا، إلا أنَّ عثور المهاجرين أو السائحين على مترجم في كل موقف ووقت أمر عسير، وكلما تعذر اللجوء إلى الأجهزة الرقمية أو تعسَّر الاتصال بالمترجم لمعتْ في الذهن رؤية خاطفة توحي للعربي أو التركي بضرورة المكابدة لفهم رسالة مخاطَبه والردِّ عليها، فلا يجد بدًّا من التقريب والتقارب واكتشاف المشترك اللغوي بل قد يبلغ به الأمر أن يستخرج المجهول من المعلوم.

ورغم أن التركية ليست شقيقة العربية ولا من فصيلتها بل تفصل بينهما ظاهرةُ نَظْمِ الجملة والأساليب وفروقُ نظام الاشتقاق العربي والإلحاق التركي إلا أننا عثرنا على آلاف الكلمات العربية في اللغة التركية، ومثل ذلك أو أقل بفارقٍ يسير من الكلمات التركية في اللهجات العامية لدى دول العالم العربي، ولم يقتصر الاقتراض اللساني في التركية على المعجم القرآني والنبوي بل ثمة مجالات أخرى ضربت بسهم في التبادل اللغوي بين التركية والعربية، وليس يخفى عليك في هذا الباب ما في المداخل الاجتماعية والثقافية والسياسية والحقوقية من مصطلحات ومفردات تثري وتغني كلما دعت إليها الحاجة واستدعتها الذاكرة، وإن ذلك ليدل بجلاء على أن التركية مثلًا ما تخيَّرت الاقتراض من العربية دون غيرها من لغات تجمعها بها وحدة الأصل والفصل إلا لِمَا بين العرب والأتراك من علائق الوداد وعوالق الحاجات الماسَّة إلى ما لدى كلِّ طرف من محمولاتِ المعانِي والقيم والثقافة والفكر والعلم، وإنها لَتتجلَّى معرِبةً عن نفسها بالمشترك اللفظي الحامل لها، فنعم البطن والظهر! ويا لروعة البطانة والظِّهارة! فبهما انتسجت لُحْمَة الوداد العربي التركي وسداها.

إنَّ اللغات الأخرى مصدر قوةٍ وثراء للغة الأمِّ ترفدها بالعلوم والأفكار والمدّ اللغوي والاتساع البنيوي والانسياب العصري والمرونة والمحاكاة، كل هذا وزيادة إذا قام ذلك على التعريب أو التتريك مثلا ثم التوطين والسياسة الوطنية اللغوية لا على الاستبدال والاحتلال والانتحال وحروب اللغة والهوية والفكر، وإني لأعد التبادل والاقتراض اللغوي عند الضرورة من الظواهر الصحية إذا ما خضع الدخيل لقواعد الأصيل، والمقصود بالتبادل اشتراك لغتين أو أكثر في تصدير مفردات ومعانٍ محدودة واستيراد أخرى تفتقر إليها وفقًا لقانون التأثير والتأثر.

وكأنه قد راق للعرب والأتراك هذا الأمر، فما استغنوا باستيراد المعنى عن الألفاظ، بل كثُرَمَا استعاروا الصوتيات والمعاني معًا، وحسبك أن الحروف العربية منذ عهد السلاجقة والعثمانيين حتى عهد الجمهورية كانت هي حروفَ اللغةِ التركية وخزائنَ تراثِها وعلومها وتاريخها إلى أن استُبدلت الحروف اللاتينية بها.

وللاشتراك اللساني بين العربية والتركية آثار إيجابية وأخرى سلبية على العلاقات بين العرب والأتراك، ذلك أن له أحوالًا شتى ينبق منها الخلاف، فثمة اشتراك في الصوتيات والمعاني بالكل أو بالجزء، وهو ضربٌ حميدٌ يقرِّب ويقارب ويؤلف بين العرب والأتراك بقدر ما يحمل في طيَّاته من تقريب لوجهات النظر وتيسير للاتصال والتواصل، وأما المتفق لفظًا المفترق معنًى فذاك ما يوقع اللبس ويوهم خلاف المقصود فيورث النزاع ويؤدي إلى سوء الفهم والشقاق، وحسبك لتعلم فداحة الأمر أن زوجًا عربيًّا همَّ بطلاق زوجته التركية لخلافٍ نشب بينهما، وكانت اللغة المتفقة لفظًا المفترقة معنًى هي القشة التي كادت تقصم ظهر البعير والقطرة التي فاضت بها الكأس؛ فبينما كانت تحثُّه وترغِّبه لينجزَ عملًا ما قالت له: (bir az gayret göster)، فثارت ثائرته وانهارت أعصابه وهمَّ بها طلاقًا وهمَّتْ به شقاقًا، وليس في قولها ما يستوجب شيئًا من ذلك، فهي إنما تقول له: (ابذلْ جهدك) لتنجز هذا الأمر، بيد أن الزوج عقلَ من كلمة (gayret) معناها العربي (غَيْرة) وكأنها تكني وتعرِّض وتقول له: يا عديم الغيرة والشرف، ليتك تمتلك ولو قليلا من الغيرة!

المتفق لفظًا ومعنًى وآثاره على العلاقات العربية التركية

المشترك اللغوي كغيره من العلوم، فمن نافلة القول توكيد ما قيل بأن مسائل العلم كامنةٌ فينا، وعلى قدر الدافع والباعث وآلات البحث نبلغ منها ونجتني ما نستهدفه ونصبو إليه ويسد حاجاتنا، وقل مثل هذا في المشترك اللغوي أيضًا، فكلما انقطعت بنا السبل وأعيَتْنَا الحيل لجأنا مضطرين إلى استخراج دفائن وكنوز من المشترك اللغوي العربي التركي، وإننا لم نكن لنراها يومًا لولا حاجةٌ دافعة كأنها سوط سائق حامل لنا على ما لا بد من فعله.

وهذا المشهد ليس ببعيد عن أحد من العرب أو الأتراك المهاجرين أو السائحين، فكثيرة هي المشاهد المحفورة في ذاكرة أسفارنا، وإنك لتلفي فيها المضحك والمبكي والعُجَاب حتى إنك لتقضي منها عَجَبًا.

وللمتفق لفظا ومعنًى اليد الطولى في تيسير الاتصال وحلِّ عقدة الترجمة، وهذا جليٌّ لا يخفى في لغة الحياة اليومية، ولا تعدم أمثلة على ذلك إذا ما تأملت آلاف الكلمات المشتركة المستعملة بكثرة حتى اليوم، ولو أنك اتخذت من الحوار الآتي مقياسًا لعثرت على أضرابه بيسر دون أدنى مشقة.

في صبيحة الخامس عشر من تموز التقى خالد بالموظف فاتح وكان بينهما ما كان، فشرع كل منهما يرسل ويستقبل ويستثير دفائن الكنوز اللغوية المشتركة بل إنه مضى في هذا الطريق أبعد من ذلك فها هو يستدل بالمعلوم على المجهول.

وإليك ما جرى، وهلمَّ نستقرئ ونحلل:

فاتح

خالد

المشترك لفظا ومعنى

استخراج المجهول من المعلوم

Ismin ve soyismin yaz

تمام، كتبتُ اسمي وكنيتي

Isim- ve

تمام- اسم

Soyismin

كتبتُ - كنيتي

Evrakların ve belgelerin hazır mı

نعم أوراقي حاضرة- تفضل

Evrak hazır

أوراق - حاضرة

Belgeler

نعم- تفضل

Tamamdır yarın sabahleyin gel teslim alabilirsiniz

إن شاء الله، يعني أنَّ وقت التسليم غدًا صباحًا

Tamam- sabah- teslim

إن شاء الله- صباحًا- وقت- تسليم- يعني

Yarın- gel- alabilirsiniz

 

غدًا

Allaha emanet ol

شكرًا - في أمان الله

Allaha emanet

أمان الله- شكرًا

ol

وأنت خبير أن هذا التقريب مرهونٌ بأحوال وشروطٍ أهمها:

رعاية كل من المستقبل والمرسل لظروف الآخر، فيلتزم الحديث بالفصحى لا باللهجة المحلية، ويتحدث رويدًا رويدًا مراعاة منه لمقتضى حالةِ المخاطَب وظروفه وإلفِهِ لصوتيات اللغة وزمن اتصاله بها طولا وقصرًا، ويكرر بتؤدة بلا سآمة ولا ضجر حتى يستيقن أن شريكه في الخطاب قد تلقَّى الرسالة وتهيأ للعمل بمفادها وأصبح ملمًّا بها محيطا بأصولها قادرًا على الإيفاء بما تحمله حتى تتحقق مخرجاتها.