النظر إلى العالم من مسافة استياء أو.. ويلكوم!
كوفان أدي كوزال

سبوت: جيش من الذين تشردوا وافترقوا.. جنود ذلك الجيش كلّ يوم بتكرير كلمة السر الإجبارية " العيش"، يحاولون أن يفهموا لماذا تم اقتلاعهم من جذورهم كشجرة تنظر بإمعان نحو الأسفل إلى عروقها النازفة.

باطلاك: النفس الذي يربط بين منى وبلال نفسه يمثل تلك الشجاعة التي تدفع لقطع المسافة عبر بحر المانش.

العيش في المنفى يمكن أن يترجم بتحقق موت ثقيل ثقيل، ويتذكر الإنسان في الزمن الذي يعيش فيه الوحدة كل يومٍ بكل تفاصيله، وفي هذه الحالة الوعي يصاحب العيش في المنفى، وفي كل مرة يتناقص رويداً رويداً وهكذا يجوب الحدود التي لا ينتمي إليها وكأنه يحمل ألغاماً متفجرة على ظهره ويتجول بها، لأنه يعيش الفراق وقد اقتطع من غصنه، ويحاول أن يفهم وضعه وحاله من موقعه في أي أرض سقط فيها، ويشكل اللاجئون والمهاجرون سُبُع (1/7) سكان هذا العالم، وهذا ما يعني أنها قصة مليار إنسان يحاول النهوض من المكان الذي سقط فيه..

وبسبب أحوال هذا العالم من الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو غيرها نجد الملايين من الناس يجبرون على ترك بيوتهم وهم يحملون على ظهورهم هذه الأحاسيس والمشاعر يعانون بحملها وهم يجوبون بقاع الأرض، مهاجر، لاجئ، نازح، منفي، طالب لجوء، أجبني، ومشرد لا بيت له، وهذه الطوائف المهاجرة وإن اختلفت تسمياتها فلن تختلف ظروفها وأحوالها، جيش من الذين تشردوا وافترقوا.. جنود ذلك الجيش كلّ يوم بتكرير كلمة السر الإجبارية " العيش"، يحاولون أن يفهموا لماذا تم اقتلاعهم من جذورهم كشجرة تنظر بإمعان نحو الأسفل إلى عروقها النازفة، إنها تفرقة مباشرة صريحة، وأضف إلى ذلك هوية مشرد لا وطن له.

يعيش الإنسان وهو يحس عاطفة انتماءه ليعيش في حدودها ويحتمي بغريزة الأمان التي يحسها ويلجأ من خلالها إلى وطنه الذي في داخله، والهجرة واللجوء هو إخلال بهذه الحدود، وأول إخلال بتلك الحدود هو الإخلال بحدود البيت، وهذا يعني  أن تضيع مسافة الأمان بعدها، وتعني أن يحلّ مكان البيت الضائع أي شيء يكون للإقامة، في قطعة من أرض غريبة فقط لرواية الانزياح، وبينما كان مارتن هيدجر يقول إن قدر العالم يسير نحو التشرد، ومع أنّ الفقر المدقع يتكلم في أمكنة ما من العالم إلا أنّنا لا يمكن أن نقول إن العنوان الذي يتكلم عنه هيدجر من ذلك الفراغ الأعمى هو عوالم أرواح المهاجرين.?

شبشب ونَفَس!


السلحفاة مع أن درقتها العظمية مؤلمة لدرجة أنها تهدد قلبها ولكنها مع ذلك تستمر بالسير، وحكاية بلال الذي يضطر لأن يقنع فؤاده بأنه سيلتقي بمني، نستطيع أن نراهما مثالاً لبروفة نفس طويل ينتمي لذلك الفراغ الأعمى الذي تحدث عنه هايدجر، هذه الفكرة تستند إلى الفيلم الذي أخرجه فيليب فيورت عام 2009 (WELCOME) بمعنى أهلاً وسهلاً، كان يكتب على الباب للذين يأتون لزيارته (WELCOME) وكان يستقبلهم بشبشب لطيف المنظر فكان من خلال استقباله يؤدي رسالة أنيقة وعميقة لأرواح أولئك الناس.

إن المفارقة تشير إلى أن الحقائق التي تفيض من الداخل وتزيد -كما هو الحال هنا- قد تتحول إلى حقائق تهزّنا أكثر، وإن ابتناء حكاية الفيلم على فكرة الرمز من خلال الشبشب في الفيلم هو أمر بالغ الأهميّة، فإننا ما نجده من التراجع في الاختلاف بين ما يراد له أن يكنس تحت الشبشب وبين عبارة (WELCOME) فإن جملة " إن كنت تريد التعارف فاقترب قليلاً " هذه الجملة بمعناها تفتح الباب قليلاً لبلال، وكلاهما يأتي بهذا السؤال أيضاً ، هذه اللافتة (WELCOME) التي حفظها صاحب البيت ولكن لأي المسافرين يقولها وأي المسافرين يعني بها؟

النفس الذي يربط بين منى وبلال نفسه يمثل تلك الشجاعة التي تدفع لقطع المسافة عبر بحر المانش وبالأخص بالنسبة للمهاجرين فهذه الشجاعة دائماً يكونون مضطرين إليها، التفكير بأن تكون مستعداً  حتى للموت في سبيل الحصول على فرصة للعيش، أن يرحب ببعض الأحوال التي تصادفه ويقول لها (WELCOME) ، كان بلال وهو يضيق نَفَسه سابحاً في محاولة الوصول إلى شواطئ انكلترة ليكون آخر طهارة ونقاء لتلك الشواطئ، كأنه يحكي لنا افتراق الضيوف الذين بقي منهم بقية وأثر على ذلك الشبشب والذين أرهقتهم تلك المسافات التي كانت تتهاوى، بشكل دقيق وتام، هذا بالنسبة لمن ؟ أهو بالنسبة للفرنسيين؟ أم هو بالنسبة للفرنسيين أنفسهم بالذات؟ لا بل هو بالنسبة لكل أصحاب البيوت في العالم الذين يخبرون أيضاً من خلال الشبشب، ويمكن أن نقرأ موقف بلال من خلال نَفَسه الذي لم يكن يكفيه لوحده ويضيق عن حاجته ولكنه يتجه إلى منى ليقيم جسراً ذا اتجاه إجباري اضطر إليه وليس له خيار غيره وفي في نهايته " كان يا ما كان"، في داخل ذلك الفراغ الأعمى بواسطة إذن الإقامة وضع توقيعه بين تلك الشباشب كان توقيعه (WELCOME).