بفضل تركيا والشعب التركي، تعلمت الابتسام والثقة والأمل مرة أخرى.

بفضل الأشخاص الذين عاملوني بشكل جيد خلال فترة لجوئي في تركيا، أحببت الحياة مرة أخرى، أحببت نفسي، بلدي

إراي صاري چام


أحببت تركيا كوطن مقابل دين، وأشعر بنفسي كمواطن هناك، على أي حال، أنا كنة تركية وكل شيء قدر، لكني فخور بحبي لهذا البلد والدم التركي في أطفالي وأنا أربيهم على هذا النحو

على السوريين تقديم أنفسهم بأمثلة جيدة، وإظهار أنفسهم والعمل الجاد من أجل تركيا أيضًا، تركيا فعلت ما لم يفعله أحد، بقيادة السيد أردوغان وبموقفه الحازم، علمت تركيا العالم درسًا في الإنسانية

استشهد أخوكم الأكبر سنان، ثم جاء أخوكم الأصغر إلى تركيا عام 1994، ولجأت أنت ووالدتك إلى تركيا عام 1995، أتساءل ما هي الذكريات التي تحملونها قبل هذا اللجوء، هل يمكنكم التحدث عن قصة المقاومين هناك؟ لذا، هل يمكن أن تخبرونا عن تلك السنوات وما عايشتموه، كيف أتيتم إلى هنا، وما الذي مررتم به حتى أتيتم؟?

إلى أن نشبت الحرب، أي حتى عام 1991، كنت ابنة لعائلة عادية سعيدة، بعد ذلك تتغير الحياة، بالطبع، كوني طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات في المراحل الأولى من الحرب، لم أستطع إدراك ما كان يجري، من يهاجم لماذا، ما ذنبنا، من هم، من نحن ... وكان هناك خوف، لقد قضيت طفولتي تحت القنابل، لم أبدأ المدرسة بسعادة مثل جميع الأطفال، بدأت المدرسة من خلال تعلم كيفية السر بطريق ملتوية لتجنب إطلاق القناصة الرصاص علي في طريقي إلى المدرسة، في الحقيقة، حاولت أن أشرح الحرب بعيون طفل في كتابي الأول " الرصاص له لون أيضًا"، لكن حتى هذا لم يكن كافياً، لا يمكن للمرء أن ينقل كل عواطفه وأحاسيسه، لم تكن حربًا عادية في البوسنة، ولم نقاتل، ولكننا تعرضنا للهجوم وحاولنا الدفاع عن أنفسنا، الأعداء لم يكونوا يميزون بين ضحاياهم ، بل كانوا يقتلون الأطفال والشيوخ والنساء، حتى لو كنت طفلاً، فإنك تكبر وتنضج بعد فترة، في الواقع، هذا يحدث فجأة، إنهم يرغمونك على النمو، في هذا العمر، تقبل احتمال استشهاد أحد أفراد أسرتك، لم يعد الجوع والعطش مشكلة ذات أهمية كبيرة  لأنك تأكل قطعة خبز منقوعة ومرشوش عليها القليل من السكر، كأفضل غذاء في العالم، تنسى وجود أشياء أخرى، في تلك السن يخاف الطفل من رؤية الدم حتى لو سقط فهو يرتعد من دم يخرج من ركبته في الظروف العادية، لكن في الحرب تعتاد على ذلك، في وقفة أحد الأعياد قُصف منزلنا، وذهب كل شيء، ثم عانقنا والدي وقال، "الحمد لله أننا معًا، هذا يكفي" وقد كان حقّا هذا هو الأكثر أهمية، لأنه لم يمض وقت طويل حتى رأينا مقتل أخي بقنبلة أخرى، فأنت في قاع اليأس، حتى الأم لا تستطيع حماية طفلها، إنك تلجأ إلى الله وحده، إيماننا بالله أبقانا على قيد الحياة.

متى قررت كتابة كتابك الأول وكيف شعرت أثناء كتابته، أنا متأكد من أنه كان صعبًا عليك، وكيف كانت ردود الفعل على هذين الكتابين، وماذا كنت تنتظرين من أثر عند نشر الكتابين؟?

 

بينما كنت أدرس في الجامعة في اسطنبول، كان الأصدقاء يسألون عن الحرب، وفي ذلك الوقت، أدركت أن الحرب توصف دائمًا كما هي على الجبهات، أما الحرب فهي مختلفة في عيون الطفل، كما أن عنوان الكتاب يتحدث عنه، لأن الطفل لا ينتبه لخطر الرصاص بل قبل أن يلاحظ خطره يلاحظ لونه، لأنه بريء، طاهر، عقله لا يعرف الكراهية، يعرف الألعاب،

عندما بدأت الكتابة، اعتقدت أن الأمر سيكون سهلاً للغاية، كنت سأكتب فقط ما مررت به، لكنه في الحقيقة لم يكن كذلك، الكتاب، بطريقة ما، جعلني أقف وجهاً لوجه مع ما عشته، لأنني عندما كنت أصف الحرب، أدركت أنني لم أتحدث عن بعض الأشياء على الإطلاق، أعني أنني دفنت بعض الأشياء بداخلي وأخفيتها عن نفسي، لكنها في الواقع أكثر صعوبة، ثم هذه الأشياء تعتمل في داخلك.

 كانت الاستجابة من قبل القراء أعلى بكثير مما كنت أتوقعه، صدر كتابي الأول ثماني نسخ، وصدر كتابي الثاني "لقد غيرت لون الرصاص مع النجوم" وهو استمرار للكتاب الأول منذ حوالي عامين، كما أنه قد صدرت الطبعة الثانية، لم أقدم عملاً أدبيًا، لكن من خلال سرد الأحداث في البوسنة من منظور مختلف، جعلت البوسنة أقرب إلى القارئ، هذا مهم جدًا بالنسبة لي لأن الناس يقرؤون كتابي ليس لأنهم يحبونني، ولكن لأنهم يحبون البوسنة، وهذا ما يهم، وإذا كان بإمكاني المساهمة ولو قليلاً في عدم نسيان ما حدث من خلال كتابتي ، فهذا يعني أنني لم أكتب عبثًا.

قلت "اللجوء ليس خيارًا بل هو قدر" وكتبت كتابين، حسنًا، هل يمكن أن تخبرينا ماذا يعني أن تكون لاجئًا من خلال عيون طفل وكيف تتوافق الحرب مع عقل الطفل؟ ما معنى أن تكون طالبًا، أو جارًا، أو صديقاً؟?

 

مثل طفل الحرب، الطفل اللاجئ قصة مختلفة، في نهاية الحرب في عام 1995، ذهبت إلى تركيا كلاجئ، على الرغم من وجود قنابل في البوسنة، كنت أبكي طوال الوقت وأتوسل إلى والدتي للعودة إلى البوسنة، لأنني لم أشعر بأنني أنتمي إلى بلد لا أعرفه، لغة لا أعرفها، أشخاص لا أعرفهم ... لقد كان يزعجني عندما كان الناس ينظرون إلي ويبكون،

لم أكن أعرف حينها، بالطب بكى الشعب التركي لأنهم شاركونا آلامنا، لكن في ذلك الوقت، حتى يوم أمس، كنت طفلاً لديه كل شيء في أسرة سعيدة، ثم فجأة اضطررت إلى ارتداء ملابس شخص آخر، كنت خائفة من أدنى ضوضاء، وكنت أظن أنها قنبلة وسألقي بنفسي على الأرض،

عندما بدأت المدرسة لم أكن أعرف اللغة، دع أحدهم يضحك على شيء ما في الفصل، فكنت ظننت أن الجميع يضحكون علي، ومع ذلك فقد تقبلوني جيدًا في المدرسة، لكن الطفل اللاجئ حسّاس للغاية ويشعر بأنه غير مرغوب فيه. أقول إنني لست لاجئًا، لدي منزل وعندي وطن.

أعتقد أنك أحد الأشخاص الذين يفهمون المهاجرين عموماً والسوريين خصوصاً في بلدنا اليوم بشكل أفضل، في الثلاثين عامًا التي مرت منذ التسعينيات، هل تعتقدين أنه حدث تغيير في منظور الشعب التركي تجاه المهاجرين واللاجئين؟ بتعبير أدق، كيف عوملت عندما أتيت إلى هنا؟ ما هي التغييرات التي حدثت في منظور الشعب التركي تجاه اللاجئين والمهاجرين في الثلاثين عامًا الماضية؟ هل نجح الأتراك في هذا "الامتحان"?

هذا موضوع حساس للغاية في الواقع، لهذا السبب كتبت كتابي الثاني، لأن الشعب التركي كان تحت مسؤولية وعبء كبير في السنوات الأخيرة، عندما أضرب مثالاً من نفسي، فإنهم يقولون إن اللاجئين السوريين والبوسنيين ليسوا متماثلين. هذا صحيح، ثقافتنا وتكويننا مختلف، وربما الأهم من ذلك، أن عدد اللاجئين البوسنيين كان يعد بالآلاف في ذلك الوقت، أستطيع أن أفهم رد فعل الناس اليوم، هناك أيضًا لاجئون يسيئون استخدام يد العون التي مدتها تركيا، ولكن هناك أناس أشرار في كل دولة، ويتم سماع هؤلاء الأشرار بشكل أسرع وأسهل، لكني أعلم أنه من بين اللاجئين السوريين، هناك أطفال مثلي يحاولون الحفاظ على الحياة مرة أخرى، بفضل تركيا والشعب التركي، تعلمت الابتسام والثقة والأمل مرة أخرى. بفضل الأشخاص الذين عاملوني بشكل جيد خلال فترة لجوئي في تركيا، أحببت الحياة مرة أخرى، أحببت نفسي، بلدي، وقد أحببت تركيا كثيرًا لدرجة أن لدي الآن وطنان، لدي ثلاثة أطفال، تعلم الثلاثة جميعهم اللغة التركية أولاً، إذا كنت أقف بقوة اليوم، إذا كنت منفتحاً على الحياة، إذا أنجزت شيئًا ما، إذا كان بإمكاني جعل أطفالي يحبون الحياة على الرغم من كل ما مررت به، فإن قبول الشعب التركي لي في ذلك الوقت له دور كبير في هذا، على الرغم من وجود الكثير من ردود الفعل ضد اللاجئين ، أعتقد أن الشعب التركي اجتاز هذا الاختبار بنجاح ، وهم كذلك، فليس من السهل الترحيب بالملايين في بلدك، بادئ ذي بدء بفضل الرئيس أردوغان وشعبه، تعلم الكثير من الأطفال الضحك مرة أخرى، من حق الناس الرد ، لكن للأسف، بعضهم يتصرف بشكل عنصري وليس يبدي ردة فعل ، كما أنهم يستخدمون اللاجئين فقط كأدوات سياسية، هذا ليس تصرفاً إنسانياً.

كثيراً ما تتحدثين عن "الغربة" في كتابك، فهل تمكنت من التخلص من هذا الشعور "الاغتراب" بعد كل هذا الوقت؟ أو اسمحوا لي أن أسأل على نطاق أوسع، متى يتخلص المهاجر، اللاجئ من "الغربة" ومتى يشعر أو يمكن أن يشعر "أنه من هنا من هذه البلاد"?

كما قلت، أنا تركية الآن وكذلك بوسنية، في البداية بكيت لأعود إلى البوسنة، لكن عندما عدت بعد عامين بكيت حتى لا أعود، أشعر أنني مدين لبقية حياتي في هذين العامين بقبول تركيا لي، هذا ليس دينًا عاديًا، إنه عودة للحب، أحببت تركيا كوطن مقابل دين، وأشعر بنفسي كمواطن هناك، على أي حال، أنا كنة تركية وكل شيء قدر، لكني فخور بحبي لهذا البلد والدم التركي في أطفالي وأنا أربيهم على هذا النحو،  توجد البوسنة و تركيا ولا ثالث لهما، كم كنت محظوظًا، لكن لم تكن هناك ردود أفعال من هذا القبيل تجاه اللاجئين في ذلك الوقت، ربما لو قال لي أحدهم حينها "لماذا أتيت ، عودي إلى بلدك"، لكان لذلك تأثير مختلف، ولربما ما سهل علي التخلص سريعاً من الشعور بالغربة، هل قابلت أشخاصًا سيئين في تركيا من قبل؟  نعم لقد التقيت، لكن الطيبين دائماً يفوقون، وكنت دائما أفضل أن أنظر إلى هذا الجانب الجيد، والدي يتحدث مع أحد معارفه بينما كان يتجول مع صديق في اسطنبول، فقال صديقه "ما مدى قذارة هذا الشارع"، أجاب والدي: "لا أعرف، أرى مئذنة جميلة جدًا، إذا رفعت رأسك، ستراها أيضًا"، لذا، الأمر متروك لنا بعض الشيء، ما نريد أن نراه، سواء كنت جيدًا أو سيئًا.

عندما أتيت إلى تركيا، كنت طفلاً بعد ذلك كنت طالبة، ربما كان اندماجك أسهل نسبيًا، ولكن كيف كانت أمك أو غيرك من البالغين من حولك كيف ألفوا تركيا، ماذا تقولين عن تجربتهم؟

كان الأمر صعبًا بشكل خاص على والدتي، حيث استشهد أحد أبنائها، وتركت قبر ابنها فقط لإنقاذ أطفاله الباقين، لم تتعلم والدتي اللغة أيضًا، كما ضلت طريقها في إسطنبول يوماً، ولها حوادث طريفة مع الجيران، البعض منها مضحك اليوم لأنها جميعاً مرت كلها، لكن تلك الفترة كانت صعبة للغاية، هذا هو بالضبط ما أتحدث عنه في كتابي الثاني، مرات كثيرة كان تبكي في خفية عنا، لكنني كنت أرى وأسمع، كنت أعلم أنها كانت تتألم حتى عندما تضحك معنا، كان بعض الأشياء محرجًا جدًا لأننا كان بحاجة إلى أناس آخرين، إذا جاء الناس وجلبوا مساعدات مثل الطعام والملابس، كنا نخجل من أنفسنا، لكن كان عليك أن تقبلها لأنك كنت عاجزًا، حتى يوم أمس القريب، كان الناس يجلبون الدقيق والمعكرونة والثياب للأم التي كانت معتادة أن تشتري كل شيء لأطفالها بمالها الخاص، لا أحد يفضل ويختار هذا الحال، لذلك قلت اللجوء قدر، ولا يقبلها إلا من كان في وضع الاضطرار...

على سبيل المثال، عندما تفكرين في السوريين في بلدنا وقصصهم، كيف تشعرين؟ أيضًا، ما الذي تعتقدين أنه يجب على تركيا أن تفعله من أجل اللاجئين في السنوات العشر الماضية، أم أنك تجدين ما تم إنجازه يعتبر كافياً؟ من كافة الجوانب الاقتصادية والثقافية إلخ.

مصير سوريا مختلف أيضا، هناك سنوات طويلة من الحرب، وهناك اضطهاد، والعالم الغربي لم يفعل شيئًا لإيقافها، فقط كان يشاهد ما يحدث، قُتل الأطفال والنساء، تم إجبارهم على اللجوء، لكن العالم قال لهم لا أيضًا وأغلق أبوابه في وجههم، ما عدا تركيا كانت هناك، ولكن مع الأسف جميعهم يدفعون فواتير أولئك الذين شكلوا بينهم نماذج سيئة، ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن قلة من الأشخاص العنصريين يسيئون إليهم، ولكن الشعب التركي الذي يحترمهم ويتعاطف معهم يكون أكثرية، لهذا السبب يجب على السوريين تقديم أنفسهم بأمثلة جيدة، وإظهار أنفسهم والعمل الجاد من أجل تركيا أيضًا، تركيا فعلت ما لم يفعله أحد، بقيادة السيدأردوغان وبموقفه الحازم، علمت تركيا العالم درسًا في الإنسانية، لم يفكر الرئيس أردوغان قط في مجرد الانتخابات، التصويت، لقد حاول دائمًا أن يكون صوت المظلومين، حتى أنه كان يتحدث باسم البوسنة في عام 1994، واليوم، غزة، أراكان، سوريا إلخ، حيثما يوجد الألم والمضطهدون يمد يده، يواصل الشعب التركي موقفه هذا إلى حد كبير، قد يكون هذا غير مهم بالنسبة لبعض الناس، قد يكون الصراخ من أجل غزة في اجتماع الأمم المتحدة غير كافٍ، لكنه مهم جدًا للأشخاص المتورطين في الحرب، فهو يوفر الروح المعنوية والأمل، يكفي مجرد النظر إلى مخيمات اللاجئين في تركيا والبلدان الأخرى، لكي نرى الفرق، أعتقد أن تركيا تبذل قصارى جهدها، لكن ذلك لم يظل بلا مقابل فهي تحصل على الدعاء لها من البوسنة إلى غزة.