سن عبد الحي عبدي: نحن أمانة لحبٍّ عمره خمسة قرون
إراي صاري چام


هناك علاقات جيدة بين الصوماليين والأتراك. لكن أنا شخصيا أعرف الأتراك من السلطان محمد الفاتح بسبب الحديث النبوي " لتُفْتَحَنَّ القُسطَنْطِينِيَّةُ فلنعمَ الأميرُ أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش..." حيث اسم السلطان محمد الفاتح مشهور لأنه فتح القسطنطينية…

يُعرف توجه تركيا إلى الصومال منذ 2011، ازداد اهتمام الصوماليين بتركيا بعد زيارة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى الصومال سنة 2011.

يُعرف توجه تركيا إلى الصومال منذ 2011، ازداد اهتمام الصوماليين بتركيا بعد زيارة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى الصومال سنة 2011.

أود أن نبدأ بسؤال عام؛ إن الهجرة الطبيعية جزء لا غنى عنه للإنسانية وهناك أسباب كثيرة للهجرة مثل الأسباب الاقتصادية والسياسية والتجارية والدراسية وهجرة الأدمغة إلخ. وفي القديم هاجر الأتراك أيضا إلى شتى البلاد الأوروبية للعمل. فما السبب أو الأسباب الأساسية لهجرة الصوماليين إلى تركيا?

لو تتابعون الصومال تعرفون أن مشكلات الحرب الأهلية والإرهاب تستمر منذ ثلاثين سنة. وعليه فإن سبب الهجرة إلى تركيا أو غيرها هو هذه الحروب المستمرة منذ زمن طويل. يهرب الناس من الحرب، الصومال ليست آمنة. وفي الحقيقة هناك محاولة تستمر منذ ثلاثين سنة لإيجاد استقرار في البلد لكنه لم يتوفر حتى الآن. يعني احتمال الموت وارد في أي وقت؛ ولهذا يهاجر الناس من هناك إلى هنا. في الحقيقة هذا ليس هروبا، يقدمون على السفارة التركية ويحصلون على تأشيرة. يأتون إلى تركيا بأموالهم ويعيشون هنا بأموالهم. هناك من يأتي للدراسة أو التجارة غير المجيء بسبب الحرب طبعا، لكن بشكل عام يأتون إلى تركيا ليعيشوا، أو يأتون ليعبروا إلى أوروبا بحثاً عن حياة أفضل. هنا نقطة اجتماع وطريق إلى أوروبا، والصوماليون يستخدمون هذا الطريق وهذا شيء معروف. هناك من يسألنا "لماذا تأتون؟" هذا جوابه واضح: هناك حرب مستمرة منذ ثلاثين سنة، حاولنا كثيراً لتأسيس دولة، والحرب تستمر حتى الآن ويموت الناس، ولهذا السبب من يجد إمكانية لينقذ حياته يذهب إلى بلد آخر وتركيا من هذه البلاد. يُعرف توجه تركيا إلى الصومال منذ 2011، ازداد اهتمام الصوماليين بتركيا بعد زيارة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى الصومال سنة 2011. إضافة إلى هذا فإن تركيا مكان آمن للصوماليين فعلاً، لأنهم ذهبوا من قبل إلى كينيا أو إلى البلاد العربية لكنهم رأوا في تلك البلاد قومية تجاههم. يرون استحقارا ويضطرون إلى العيش في ظروف سيئة جداً. لكن لا يحدث هكذا في تركيا، أنا أعيش في تركيا منذ عشر سنوات تقريبا ولم أتعرض لعداوة مباشرة حتى الآن. باختصار يمكن القول بأن تركيا مكان آمن للصوماليين. بلد مسلم وآمن والقومية فيها ليست شديدة.

ما رأيكم بالعلاقة التاريخية بين الأتراك والصوماليين؟ لأن العلاقة بين البلدين لا تصل إلى ما قبل عشر أو خمس عشر سنة، بل تمتد إلى ما قبلها بكثير. نرى في المصادر التاريخية أن هذه العلاقة تصل إلى الأيوبيين والدولة المملوكية والدولة العثمانية. باختصار، ما هي المحركات التاريخية والثقافية والسياسية التي أسست العلاقات بين تركيا والصومال?

حسب علمي فإن العلاقة بين الأتراك والصوماليين تمتد إلى عصور قديمة جداً، طبعا بسبب كونهم مسلمين. مثلا كان هناك قائد يحارب البرتغال في القرن السادس عشر اسمه أحمد الغازي، والدولة العثمانية ساعدته. منذ تلك الفترة هناك علاقات جيدة بين الصوماليين والأتراك. لكن أنا شخصيا أعرف الأتراك من السلطان محمد الفاتح بسبب الحديث النبوي " لتُفْتَحَنَّ القُسطَنْطِينِيَّةُ فلنعمَ الأميرُ أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش..." حيث اسم السلطان محمد الفاتح مشهور لأنه فتح القسطنطينية. أنا قبل أن آتي إلى تركيا كنت أعرف قليلاً عنها وأنا في عمر الرابعة عشرة. وأيضا هناك تراث تركي في الصومال مثل المساجد في شمال الصومال، لأن المناطق الشمالية أقرب إلى الدولة العثمانية حيث لم تتقدم الدولة العثمانية إلى الجنوب كثيرا، نعرف أن العثمانيين بنوا مسجدا وقلعة في الشمال.

وهل وجد الصوماليون الذين جاؤوا إلى تركيا ما جاؤوا لأجله؟ مثلا أنت هنا منذ الثانوية، ماذا يخطر في بال الصوماليين أولا عندما يقال تركيا؟ بعد أحد عشر سنة هل تشعر بأنك من هنا؟ أعني هل استطاع الصوماليون -ولو قليلا- حل مشكلة الاندماج?

طبعا كل شخص يأتي وهو يرغب في شيء، يبحث عن شيء، لا أعرف إن وجد أو لا ولكني جئت للدراسة وما زلت أستمر في دراستي. الذين يأتون للعيش أو للحفاظ على حياتهم أو من يحضرون أموالهم كلهم في أمان في رأيي. يمكن القول إن تركيا مكان آمن للصوماليين مقارنة بكينيا أو السعودية، وهي فعلا كذلك. أكثر شيء يبحث عنه الناس هو الأمان وأظن أنهم وجدوه هنا. هناك من عنده مشكلة مثلا في إيجاد بيت، أو من لا يجد ما توقعه في التجارة لكني أظن أن الذين هربوا من الحرب صاروا في أمان هنا. وأريد أن أضيف أن أكثر ما أقرؤه يوميا بالتركية وربما بدأت أفكر بالتركية، يعني صرت نصف تركي، صار جزء مني تركياً….

هل نستطيع أن نقول عن مساهمة الصوماليين في الحياة العملية في تركيا؟ لو نستطيع فما مدى هذه المساهمة وفي أي القطاعات يعمل الصوماليون?

لا يعمل الصوماليون في الخياطة أو الصناعة الثقيلة مثل المهاجرين الآخرين من الأفغان والأوزبك والسوريين، ولو يوجد من يعمل فعددهم قليل. عادة يأتي هنا من عنده إمكانيات ودعم مادي من أهله ويعيشون هنا وهكذا يرتزقون. أو يوجد من الشباب من يعمل كمرشد سياحي أيضا أو يعمل في إرشاد من يأتي إلى المستشفيات أو يعملون في المناطق أو في التجارة ويملكون شركات الشحن بين تركيا والصومال. وأيضا هناك أربع مطاعم صومالية قرب الفاتح وهذه المطاعم موجهة للصوماليين فقط. باختصار فإن الصوماليين انتشروا في كل أنحاء العالم وفي كل بلد هناك مجموعة صومالية، هناك شتات صومالي في أوروبا وأمريكا وهم أيضا يأتون إلى تركيا للعطلة ويذهبون إلى هذه المطاعم وهكذا تستطيع هذه الدكاكين أن تبقى قائمة. ويجب أن نقول هنا إن الصوماليين يذهبون إلى المطاعم السورية مثلا لكن السوريين لا يذهبون إلى المطاعم الصومالية، لا أعرف لماذا، ربما يفضلون أطعمة مختلفة. لكننا يمكن أن نتكيف مع كل ثقافة حيث نذهب إلى مطعم تركي ونأكل هناك أو نذهب إلى مطعم أويغوري أيضا…

إذن لأنتقل إلى السؤال التالي، قلنا قبل قليل إن الأفغان يعملون في الخياطة. فكيف علاقة الصوماليين بالمجموعات الأخرى في تركيا؟ هل هناك تواصل أو علاقة بالمجموعات المهاجرة الأخرى?

غالبا عندنا علاقات جيدة مع السوريين، لا نصادف المهاجرين الآخرين كثيرا. مثلا لأتكلم عن هذه المنطقة -الفاتح- هنا أكثر شيء سوريون وصوماليون ونتواصل بشكل جيد جدا، عندنا علاقة معتمدة على الاحترام ولا يضر أحد أحدا. لا ترى جدالا في الشارع بين المجموعتين أبدا. مثلا السوريون ربما يتجادلون بينهم لكن لا يحدث هذا بين سوري وصومالي، يوجد هنا بعض المهاجرين من المغرب والجزائر أيضا، لا يحدث قتال بينهم وبين الصوماليين. بشكل عام لا تحدث مشكلات، قد تكون هناك استثناءات لكن في رأيي نتفق.

هل تقصد أن الصوماليين منفتحون على ثقافات ومجموعات أخرى?

نعم، نستطيع أن نتكيف مع كل الثقافات. ذهب الصوماليون إلى كل البلاد وتكلموا كل اللغات، أصلا معظمهم عندهم جواز سفر أجنبي. يعرفون الثقافة الغربية. يجب أن تُزال إشارات الاستفهام في هذا الموضوع بهذا الشكل، هؤلاء الناس لم يأتوا من إفريقيا بجواز سفر صومالي، يأتي معظمهم من أوروبا وأمريكا ولا تطلب تأشيرة في المجيء من هناك. أصلا لسنا بلدا مجاورا لتركيا يعني لا ندخل بالتهريب، كل الذين يأتون هنا يدخلون بتأشيرة رسمية.

نشرت تركيا في 1998 خطة العمل للانفتاح الإفريقي وتم تصدير قمم واجتماعات بين تركيا وشتى البلاد الإفريقية. أما في عام 2005 فقد أعلن في تركيا "عام إفريقيا". وهناك أعمال لـTİKA موجهة إلى إفريقيا. فوق هذا فإن هناك علاقة التعاون بالمعنى العسكري بين الصومال وتركيا. كيف تقيّم أنت العلاقات التي تزداد في السنوات الأخيرة بين تركيا والبلاد الإفريقية؟ هل تجد أعمال وانفتاحات تركيا كافية?

أنا لست مهتما بالسياسة كثيرا ومع هذا أعرف أن أعمال تركيا الموجهة للصومال وإفريقيا مستمرة. يجب تقدير أعمال تركيا فعلا؛ أعمال البنية التحتية، المستشفيات، إنشاء الطرقات، مطارات وموانئ... مثلا أكبر مستشفى في أهم ثلاث المدن الصومالية هو مستشفى تركي، وشركة تركية تدير المطار والميناء، هذا شيء جميل جدا. طبعا يجب ألا ننسى أن هذه أعمال تجارية لها مقابلها؛ يأتي جزء من ربح المستشفى إلى تركيا. لكن لا يمكن أن تجد بلدا يتصرف هكذا. تركيا بلد استثمر في الصومال من الصفر دون أن يكون له أي تأمين. استثمروا دون أن يفكروا في المقابل، دون أن يقلقوا "كيف سيكون هنا في بلد فيه إرهاب، قد تذهب كل الاستثمارات في الهواء" والان كل هذه الاستثمارات وجدت مقابلها عند الشعب.

مثلا في تركيا -أكيد تنتبهون لهذا- كل ما يحدث شيء في العالم يُسمع هنا. إذا كان أي مجتمع مسلم في العالم عنده مشكلة يكون خبرا في تركياً. أو لو هناك مشكلة في دولة تركية يحكى عنها في تركيا. كيف علاقة الصوماليين بالجغرافيا الإسلامية?

نحن نعرف العرب، أصلا هم جيراننا منذ القدم. مثلا هناك كثير من الصوماليين في اليمن. لا أستطيع أن أقول إننا نتفق لكن نتعرف، عندنا علاقة منذ زمن طويل. لأقل فهم الصوماليين العام: إن الذين لا يريدون للصومال أن تحصل على الاستقرار هم العرب، يعني السعودية والإمارات وقطر. تركيا عندها تعاطف مع قطر، يفكرون أنها تفيد الأمة لكني لا أظن كذلك. هناك محاسبة للبلاد العربية مع الصومال وقطر بينها. لم تكن بيننا حرب في التاريخ لكنهم لا يريدون الخير لبلدنا. مثلا عندنا بترول في الصومال وعندنا غاز يمكننا أن ننافس البلاد العربية، ولا يفيدهم أن تستخدم الصومال هذه الثروات الطبيعية، ولهذا السبب يفيدهم أن يكون بلدنا بدون استقرار. هكذا ننظر نحن إلى العرب، لا أتمنى أن يكون هكذا لكن العرب لا يحبوننا.

سؤالي الأخير عن جمعية صوت الصومال يعني جمعيتكم. ما الأعمال التي تجرونها في إسطنبول؟ هل يمكن أن تتكلم عن حملات الإعانة والمنشورات والنشاطات التي تقومون بها?

أُسست جمعية صوت الصومال لتسهيل حياة الصومال في تركيا. أردنا في البداية أن يتم الاندماج وتتأسس علاقات طيبة بين الأتراك والصوماليين. جمعيتنا تجري أنشطة ليعيش الصوماليون بشكل مندمج أكثر ولكيلا تحدث معهم مشكلات، وأحيانا تكون عندهم حاجات ثقافية. ندعو أشخاص بارزين من الصومال إلى تركيا، يخاطبون الصوماليين ويذكرونهم بثقافتهم وحياتهم. دعونا وقتها أئمة مهمّين للوعظ الديني ومثلاً أقمنا ندوات أونلاين خلال مشكلة فيروس كورونا. نحاول أن تستمر هذه الأنشطة بمساعدة المتبرعين. وعندنا مشروع أيضا لنعلم الصوماليين اللغة التركية ونعرفهم بالأماكن المهمة في تركيا، عندنا مشاريع أخرى في المستقبل للاندماج، ولهذا نريد أن نؤسس علاقات مع مختلف البلديات والمؤسسات والدولة. يسعدنا لو تواصل معنا أشخاص أو مؤسسات ليساعدونا من خلال مقابلتنا هذه التي تنشر في هذه المجلة.

انتهت أسئلتي، أشكرك جدا

نحن نشكركم على وقتكم وأنكم أسمعتم صوتنا.