الرقة مدينة كريمة على طريق الحرير
إلهام حقي- فرنسا


للرقة تاريخ حضاري وإنساني من حيث المعرفة والثقافة، وهذا كله مؤرخ بيد مجموعة من المهتمين العرب والأجانب، مؤكدين عراقة هذه المنطقة.   

اتخذها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة للخلافة نظراً لرقة مناخها وأهمية موقعها

قلعة جعبر هي قصة بحالها بإطلالتها على البحيرة وكأنها بحر بلا نهاية كنا كلما ذهبنا إليها صعدنا إلى برج عليا حيث بني لأجل عينيها، وتخيلنا كيف كانت تجلس هناك لتطل على فراتنا الجميل…

محرك قلبي يتوقف بمجرد ذكر اسمها، ليلمع الجمال مجدداً بداخلي عاكساً صورتها البهية على زمزم فراتها العذب.

بلغ عدد سكانها عام 2011حوالي 950 ألف والرقة تعني في اللغة الصخرة المسطحة وهناك عدة معان حول اسمها، مساحتها حوالي 20 ألف كم2، تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات.

للرقة تاريخ حضاري وإنساني من حيث المعرفة والثقافة، وهذا كله مؤرخ بيد مجموعة من المهتمين العرب والأجانب، مؤكدين عراقة هذه المنطقة، وأصدر كتاب تذكاري فيه أحد عشر بحثاً أثرياً وأربعة أبحاث تاريخية، وخمسة أبحاث للعلوم ومثلها اجتماعي واقتصادي، طالب نخبة من المثقفين الرقيين أن تقام ندوة كل ربع قرن وبقي ذلك دون تنفيذ وكان هذا الحلم قد طرحه الدكتور الأديب عبد السلام العجيلي، وممن شارك في الندوة الأولى عام 1981 مقرر ومحاضر الباحث حمصي فرحان الحماده، وظهرت دراسات وحقائق تاريخية وأثرية غيرت معظم المفاهيم عن تاريخ الرقة العريق، من أثارها الجامع الكبير، باب بغداد، قصور البنات التي نتباهى بها وسور الرقة الذي نعتليه دوما معتزين بصلابته أما قلعة جعبر هي قصة بحالها بإطلالتها على البحيرة وكأنها بحر بلا نهاية كنا كلما ذهبنا إليها صعدنا إلى برج عليا حيث بني لأجل عينيها، وتخيلنا كيف كانت تجلس هناك لتطل على فراتنا الجميل، محاولين تقليدها بعدة جلسات، لنعود بعدها مرددين كل الأغاني والأهازيج الرقاوية، ويصلها مع الخارج جسران  كتب فيهما الشاعر عصام حقي وللجسرين أحلام حسان، ورنوة عاشقين إلى لقاء، لننتقل إلى بناء السرايا المشيدة من اللبن التي كان يترأسها القائم مقام وقائد الدرك، تحولت لاحقاً عام 1981إلى متحف وطني من أثارها المميزة التاج الذي يحمل على كل وجه من وجوهه الأربعة تصوير محفور إما لصليب لاتيني بنهايات مفلطحة أو ورقة عنب خماسية مع ملاحظة أنه قد تم تهشيم أذرع الصلبان وتدمير الكنيسة عندما قرر الخليفة العباسي هارون الرشيد نقل عاصمته من بغداد إلى الرقة، اتخذها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة للخلافة نظراً لرقة مناخها وأهمية موقعها، كل ما أكتبه هو مرور مختصر لرقتنا الجميلة الأخاذة متنقلة بين حاراتها وتسمياتهم للدلالة على المسكن التي تنتمي إليه كل عائلة  التي اعتمد فيها ثلاث خانات الحميدية الأكراد والشراكسة.

ومن حاراتها حارة البجري، رمضان أغا، التواتفه، الشمطة، الأكراد، السخاني، البوسرايا، البياطرة، الغرباء، البرجكليه.

حارات نظيفة لأبواب لا توصد نعم كانت الأبواب مشرعة ودلال القهوة مرصوفة ومعروضة للجميع وبجانبها ابريق الشاي الذي  لا ينضب، عدا عن الترحيب والتأهيل للجميع، تجمعها الأحزان والأفراح فالحارة كلها متضامنة وعارضة خدماتها الفعلية، وكأنهم بيت واحد تفتح الأبواب وتلبى كل الطلبات بشكل جماعي دون تذمر أو تردد، كأنهم عائلة واحدة، ويستمر الحزن أو الفرح لأيام طويلة، تجمعهم اللهفة، أما الغرباء فكانت الرقة لهم أم حنونة ومن قصد الرقة لا يغادرها تقول أمهاتنا من شرب من ماء الفرات عاد إليها سبع مرات بلا إرادة، هل تعرفون أن للرقة تقويم خاص بها! هناك سنة الجوع، الشريف، حكومة حاجم، دخول الفرنساوي، موتة الهويدي، سوقيات الأرمن، ولكل سنة رواية متفق عليها مخصصة بعام معين تصبح تاريخ لديهم، ذكرياتنا الحقيقة الوحيدة في عالم الغموض هذه الذكريات هي عزاء لقلبنا في زمن نضب فيه الوفاء والكرم والاحترام، هذه الذكريات لا زالت تنبض داخلنا لتمدنا بالقوة والعزيمة والاستمرار، نذكر من شخصيات الرقة المميزين وهم كثر لا أعرف إن كانت ستسعفني الذاكرة بذكرهم جميعاً فلكل منهم بصمته في هذه المدينة الرائعة، استهلهم بالعجيلي الدكتور الأديب عبد السلام العجيلي من مواليد الرقة فهو من رواد الأدب السوريين وطبيب ماهر انتخب عام 1947 نائب في البرلمان وكان أصغر نائباً حينها، من أعماله الأدبية الكثيرة القيمة نومان قصة بدوية ومجموعة شعرية ليالي ونجوم ومجموعة قصصية ساعة الملازم مؤلفة من تسعة قصص قصيرة له تاريخ حافل إن أسهبت بالكتابة عنه لا تكفيني هذه الصفحات لكني أستطيع أن أقول كان له دور كبير في حياة كل شخص رقاوي إنه أيقونة الرقة، توفي عام 2006عن عمر يناهز 88 عاماً ألف رحمه لروحه الخالدة، وهناك العديد من الشخصيات المميزة التي تركت بصمتها مثل جواد انزور شركسي الأصل الذي كان مثالاً للإنسانية والنبل والنزاهة وتلاه ابنه محمد أنزور المحامي الشريف الشهم، والأستاذ المميز محمد عبد الحميد الحمد كان موسوعة ثقافية وحاصل على دكتوراة في فلسفة الأديان عمل مدرس لمادة الفلسفة وهو باحث ومؤرخ وكان أستاذي في معهد الصف الخاص له العديد من الكتب والمؤلفات منها حضارات طرق الحرير وتاريخ الرقة الحضاري وعشرات المؤلفات توفي قريبا عام 2017، ولن أنسى استاذي العظيم له طول العمر الباحث حمصي فرحان الحماده أول مجاز بالشريعة الإسلامية من مواليد الرقة متفرغ حالياً للدراسة والبحث العلمي، من كتبه أويس القرني بين الواقع والأسطورة، وله ديوان شعر بعنوان نكبة الرقة، والأستاذ الدكتور صلاح الدين شروخ من أصل شركسي يحمل شهادة دكتوراة في علم الاجتماع كان أستاذي في علم التربية وطرق التدريس هؤلاء اساتذتي الذين أفخر بهم، توفي قريبا عام 2020عن عمر يناهز 78سنه، وهناك طه الطه حارس الذاكرة في الرقة الذي قضى معظم حياته في أرشفة تراث الرقة توفي وراق الرقة 2020 في تركيا، سأحاول ذكر بعضاً من الأسماء المعروفة وهم بالمئات  ليسامحني من لم يذكر أسمائهم، الشاعر الرقاوي المتميز فيصل عبد الهادي بليبل من أبرز رواد النظرة المستقبلية في الشعر كان لاذع النقد من دواوينه المشهورة قصائد مزقها عبد الناصر توفي عام 1984، وعبد الغفور شعيب أمين مكتبة الثقافة بالرقة، ومن شخصياتها الأستاذ الجليل محمود الرحبي.

أكتب من نافذة ضيقة عن مدينتي الرقة فلن يوفيها حقها آلاف الصفحات والمجلدات، جار الزمان عليها وهي بالأصل كانت منسية من قبل السلطة، وأكمل عليها الجناة من كل حدب وصوب، كيف لنا أن نلتقط قطعها المكسورة لنصنع منها طوق جميل كما هي دوماً، هي من جعلتنا لا نستطيع التعامل مع الأخرين إلا من خلالها زرعت فينا الطيبة والوفاء والكرم وإغاثة الملهوف، سأمر قليلاً على سيداتها فهن مثالاً للتضحية والتفاني فالمرأة الرقاوية جبارة تحافظ على بيتها بكل ما تملك من قوة مضيافة كريمة أخت للرجال تساند عائلتها بكل ما تملك من قوة، إن دخلت منزلها رأيت الطابع العائلي العريق فهي تحتفظ بكل ما هو ثمين من أجل الضيوف هناك زاوية مخصصة (للنضد) فرشات وأغطية ووسائد من الصوف النظيف مغلفة بأجمل الألوان إكراماً للضيف والأواني الجميلة المميزة ورائحة بيتها العطر تفوح منه رائحة النظافة المميزة ممزوجة بالحب والحنان، العودة إليها حلم يراودنا كل يوم فذكرياتها الجميلة تدغدغ أحلامنا يا لحزننا الرقيق كنجمة مكسورة.