عاكف .. شاعرٌ بطل
رمضان جيحان

طريق الخلاص الوحيد التمسك بالقرآن الذي من معجزاته أنه يبقى مصدراً للإلهام لإدراك طبيعة كلّ عصرٍ على مر الزمن.

غزا قلوبنا بالقصيدة التي كتبها لنصر جنق قلعة في نضالنا نحن كأمّة في مواجهة الاستبداد والذي قدّمنا فيه شهداءنا من الشّام واليمن ومن كثير من الأماكن الأخرى.

     
شاعر، حافظ للقرآن، معلِّم، واعظ، بيطريّ، موظف استخبارات، مترجم للقرآن، الأول على دفعته، موظف في الوحدات الخاصة، نائب في مجلس الشعب، رياضيّ، صديق صدوق، ابن وفيّ بارّ، كلمته كلمة رجل، وأشياء كثيرة تقال عنه باعتباره عاشقاً لوطنه وأمته.

     إذا أراد الله أن يوفق عبداً له مثل شاعرنا، يسّر لأبيه الألباني؛ فأحضره من مدينة إيبك في كوسوفو دون أي حماية، فتزوج امرأة أتت إلى توقاد من بخارى وانتقلت إلى اسطنبول بعد الزواج، وبعد وفاة زوجته يتزوّج من امرأة أخرى ويصبح أستاذًا في الفاتح..

" إنه والدي وفي نفس الوقت معلمي، ما حصّلته من العلم تعلمته منه" بهذا القول يبدأ الحديث عن والده، يبدأ بتلقي دروس اللغة العربية في سن الثامنة عن والده، وبعد ذلك يلتحق بالمدرسة الرشدية[1]وإلى جانب ذلك يقرأ ويتعلم كولستان، ويأخذ دروساً ويطالع المثنوي والحافظ الديواني، وكان عاكف الذي كان له ميل واضح لدروس اللغة متفوقاً في دروس اللغة العربية والتركية والفارسية والفرنسية، ورغم حصوله على الشهادة الثانوية (التي كانت تسمى إعدادي ملكيه سي) إلا أنه بسبب وفاة والده واحتراق بيوتهم واضطراره للعمل بسبب حاجته العاجلة لكسب رزقه دخل مدرسة الزراعة والبيطرة الذي كان قد افتتح حديثاً في تلك الآونة، وكان كل يوم يذهب ماشياً على قدميه من منطقة الفاتح إلى منطقة حلقلي ومع ذلك أنهى دراسته هناك بتفوق مع الدرجة الأولى.

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الانشراح: 1 - 8];

     لم يكتف عاكف في حياته الدراسية أو المهنية بمزاولة اختصاص واحد، كان يعمل الترجمات، ويشتغل بالنشر والآداب، وكذلك كان يعمل بالتعليم في المدراس ومكاتب التعليم، كان جادا مجتهداً نشيطاً كما تقول الآية الكريمة {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الانشراح: 1 - 8]..

     وبعد أن تزوج وكبرت عائلته نستطيع أن نفهم من قوله" لم يبق مكان في إستانبول ولم أسكن فيه" أنّه غير مكان إقامته وسكنه كثيراً، وعلى هذا لا بدّ أن يكون عاكف مع تنامي وتكاثر همومه وحبه للوطن وفكره الذي يريد من خلاله أن يكون أملاً لأمّته وعلاجاً لأدوائها لم يتركْ مكاناً في الأناضول أو الأراضي الرومية أو الأراضي العربية إلا وزاره ورحل إليه.

  وتقلّد عدّة مهامٍ في الوحدات الخاصّة وبناء على هذا فقد تصدّى اشترك في العديد من الفعاليات، في الحرب الوطنية التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى قام عاكف بالتطواف في أرجاء البلاد لتعمّ المقاومة الوطنية كل أرجاء بلاد الأناضول، فخطبته التي ألقاها في قسطمونو تطبع في ديار بكر لتنتشر في أرجاء البلاد.  
     

غزا قلوبنا بالقصيدة التي كتبها لنصر جنق قلعة في نضالنا نحن كأمّة في مواجهة الاستبداد والذي قدّمنا فيه شهداءنا من الشّام واليمن ومن كثير من الأماكن الأخرى.

صار محمد عاكف نائباً عن بوردور في أول مجلس للشعب، مع الإصرار عليه قبل الاشتراك في المسابقة التي أجريت من أجل اختيار النشيد الوطني للبلاد، ولا عجب أن يفوز بالمسابقة ويحوز على تصفيق النواب في مجلس الشعب ثم يتبرع بالجائزة التي مقدارها خمسمئة ليرة للجيش رغم حال فقره ورقة وضعه المادّي.

     كان محمد عاكف من ذوي الهمم فإذا ما نوى فعل شيء ما فإنه يصر ويعمل حتى يصل إلى مراده، كان وفيّاً يعتبر عدم الوفاء من الخسّة وقلة المروءة، ولذلك كان عندما يرى قليلي الوفاء من بعض الناس كان لا يكاد ينظر إليهم بعينه فضلاً عن الاهتمام بهم، وكان يوجه الأقوياء والفضلاء من أجل خدمة وطنهم وأمتهم، لا يحب الكذب ولا يخضع أو يحني رأسه لقوة قويّ.

وعليه فإن: " القديم لا يلقى لأنه قديم، ولكن يلقى إن كان رديئاً، والجديد لا يقتنى فقط لأنه جديد، بل إن كان جيداً يشترى"..

من القرآن مباشرة إلهامنا نأخذه.

لنجعل وعي العصر ينطق: إنّه الإسلام

كان محمد عاكف ضد أولئك الجامدين على القديم الذين يقولون هذا ما وجدنا عليه آباءنا، كما كان ضد أولئك المندهشين بالجديد الذين يستسلمون له، كان يرى أنّ طريقَ الخلاص الوحيد التمسكُ بالقرآن الذي من معجزاته أنه يبقى مصدراً للإلهام لإدراك طبيعة كلّ عصرٍ على مر الزمن.

بعد إعلان الجمهورية، وبسبب الاضطرابات التي حدثت بسبب الأوضاع السياسيّة آنذاك استجاب لدعوة الخديوي المصري عباس حليم باشا، واصل نشاطه التعليمي والأدبي هناك أيضًا، عاد إلى اسطنبول في السنوات الأخيرة من حياته حيث توفي هناك، تم دفنه في أدرنة قابي، وحمل على أكتاف شباب الجامعة في مراسم جنازة لم يحظ بها كبار أركان ومسؤولي الدولة.