أدرك الشعراء السوريون  أن الأدب الحقيقي هو الذي يعكس هموم الوطن والمواطن، والشاعر الفذّ هو الذي يستطيع التأثير داخل مجتمعه وخارجه من خلال تسليط الضوء على كل مساحة معتمة فيه، لا يجلس في قصر عاجي منسوج من الخيالات، بعيدًا عن الواقع المرّ
إراي صاري چام


لكنّ فرحته باستقلال سورية لم تدم طويلا بسبب ما حصل في النكبة حين خسر جولانه كما خسر فلسطين فلم يتوان عن الشجب ورفع صرخاته الشعريّة المدوية لأنه كان مدركًا حقيقة انتمائه التي لا تشوبها شائبة...

الأدب الصادق هو الذي يكتب التاريخ ويقدمه للبشرية من دون تزييف وليس المؤرخ الذي يريد تحقيق غاية معينة تحت أجندة خاصة.


بداية أود أن نتحدث عن أطوار الأدب السوري، هل يمكن أن تحدثينا عن الأدب السوري وتطوره بالمعنى الحديث منذ نشأته إلى يومنا هذا؟ يعني من عهد الرواد وإلى العهد الأخير في أدب المقاومة.

 

كي لا نقع في متاهة الأحوال السياسية المتبدلة، وكي نبقى ضمن إطار المرحلة الحديثة رغم أني متأكدة من أن إجابتي المقتضبة لن تفي الأدب السوري حقه ولن تقدم صورة مفصلة عنه، لكنها قد تعتبر نقاط علاّم تساعد الراغبين في الاطلاع على هذا الأدب الزاخر.

يجدر بالذكر أن الأدب بشكل عام والشعر خاصة كان يعاني ركودًا وضعفًا في النصف الأول من القرن التاسع عشر بسبب ركون الشعراء إلى أغراض الشعر التقليدية من مديح ورثاء وهجاء...، والاهتمام بالصنعة اللفظية التي غدت شغلهم الشاغل.

بدأت فترة انتعاشه وتطوره مع بداية عصر النهضة وظهور أولى بوادر هذا التطور في منتصف القرن التاسع عشر.
ثم تنامت مع بدايات القرن العشرين، حيث شهد الأدب السوري تطورًا لافتًا متوائمًا مع التطور المجتمعي، خاصة في الثلث الثاني منه، ومن ذلك دخول أجناس أدبية جديدة مثل الرواية والمقالة والقصة، والاستفادة من سمات المذاهب الأدبية الغربية، وتصميمها كثوب يناسب النص الأدبي العربي ويضفي عليه رونقا جديدًا لم يعهده الأدب قبلًا. والفضل يعود للترجمة والطباعة وغيرها من الأسباب التي ساهمت في نهضة فكرية بارزة.
وتألق الشعر السوري في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات التي تعتبر فترة المقاومة للاستعمار الفرنسي وتعد نقطة تحول وبدء مرحلة جديدة للأدب السوري.
أدرك الشعراء السوريون  أن الأدب الحقيقي هو الذي يعكس هموم الوطن والمواطن، والشاعر الفذّ هو الذي يستطيع التأثير داخل مجتمعه وخارجه من خلال تسليط الضوء على كل مساحة معتمة فيه، لا يجلس في قصر عاجي منسوج من الخيالات، بعيدًا عن الواقع المرّ؛ لذلك كان الصراع في أوجه تتصدره فئة مثقفة واعية تخوض العمل السياسي وتقرن القول بالفعل، إلى جانب نضال الشعب المستميت للحصول على استقلاله وحريته  إلى أن تكلل بالنجاح عام 1946 لينتقل بعدها إلى مرحلة جديدة بعد جلاء المستعمر الفرنسي.


بانزياح هذه الصخرة الجاثمة على الصدور وجد الأدباء أنفسهم أمام مرحلة تمجيد وتعظيم الانتصارات، وتفرغ بعضهم  لتنشيط الحركة الأدبية فتمخض هذا الاهتمام عن مؤسسات منظمة ورسمية مثل اتحاد الكتاب العرب، كما ازداد بسبب وفرة  الصحف انتشار الأجناس الأدبية مثل المقالة التي تنوعت موضوعاتها بين الأدبية والعلمية والرومانسية ...
ومن روادها: محمد كرد علي وزكي الأرسوزي وعبد الكريم الأشتر وسعد صائب.
أما الثمانينيات وما بعدها فقد مثلت الأدب الذاتي خير تمثيل، بعد مرحلة انكسار قاسية مرورا بهموم جديدة على المستوى السياسي والاجتماعي.

الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص كان على الدوام مختلط الأحداث، كيف أثر يوم النكبة الذي أثر في الحياة العربية بشكل واضح، وكذلك الحرب العربية الإسرائيلية واحتلال العراق للكويت واحتلال أمريكا للعراق في الأدب السوري، كيف أثرت هذه الأحداث ومثيلاتها في الشعراء والكتاب السوريين، وكيف تناولوها?

شعور الأديب السوري بأنه جزء لا يتجزأ من نسيج عربي يحاول الغرب نقضه جعله يقف في صف المواجهة الأول ويعيش صدامًا حقيقيًا؛ كي يوازن بين شاعريته ومهمته كمواطن فوق أرض منتهكة وحقوق مسلوبة. لقد نهض من وسط المعاناة كي يشحذ همم السوريين ويفتح بصائرهم على كل ما يحاك حولهم إلى أن تحقق له ما يريد عام 1946
لكنّ فرحته باستقلال سورية لم تدم طويلا بسبب ما حصل في النكبة حين خسر جولانه كما خسر فلسطين  فلم يتوان عن الشجب ورفع صرخاته الشعريّة المدوية لأنه كان مدركًا حقيقة انتمائه التي لا تشوبها شائبة.
 ومن هنا تشكلت ملامح شعر المقاومة الذي بدأ ينشط في تلك الفترة وما لبث أن ارتطم بجدار النكسة، نكسة 1967.
إن هذه الحروب بشكل عام حددت ملامح أدب يتسم بالجدة والطرافة ويصوّر الواقع الأليم  بدقة، فإذا قلنا إن الحرب هي اشتعال النار فوق أرض الوطن فإن الأدب أثناءها هو اشتعال المشاعر داخل روح الأديب..

هذه الهزيمة انعكست جليًا في الأدب العربي عامة والسوري خاصة حيث ضج الشعر بالحزن واللوم واليأس 
فهذا بدوي الجبل مثلًا يشتكي ألم الانهزام في قصيدته (من وحي الهزيمة) فيقول:
      يا سامر الحي هل تعنيك شكوانا    
      رق الحديد وما رقوا لبلوانا
وليس بغريب على الأديب السوري الذي يناهض الاحتلال الفرنسي ليحصل على استقلاله أن يقف إلى جانب العربي الشقيق في كلّ حروبه  وخير مثال عمر أبي ريشة الذي ترك إرثًا مميزا فيما يخص القضية الفلسطينية. 
وقد تجلى أيضا موقف السوريين من النكبات والحروب على فلسطين ولبنان في الروايات والقصص القصيرة حيث تمكنوا من نقل معاناة الشعوب فيها خاصة في تلك المرحلة التي تسمى مرحلة التنوع المثمر وهي بين 1969 و1979 لما فيها من تجديد وتوظيف لطاقات اللغة الإبداعية كذلك كثرة عدد النتاجات المنشورة. فهذا مثلا زكريا تامر يتأثر بالهزيمة التي ذكرناها سابقا ويكتب قصته: الذي أحرق السفن.

وعندي فضول لرأيك في الأدب التركي، يعني ما هي فكرتكم عن الأدب التركي أطواره وأهم الأسماء الرائدة، وأخيراً هل عندكم متابعة واطلاع على الأدباء الأتراك المعاصرون والكتب والمجلات التي تصدر هنا؟?

هذا السؤال دغدغ عندي مشاعر حبّ الاطلاع على أسرار الأدب التركي وجمالياته.
 رغبتي في فهم الشعر التركي خاصة كانت نابعة منذ الطفولة من ولادتي ونشأتي في منطقة حدودية يصلها بث بعض قنوات التلفاز التركية، حيث كنا نتابع البرامج والأفلام. وحبي للشعر بشكل عام جعلني أتأثر بأي مقطع شعري مضمن في أغنية أو مسلسل.
 ونابعة أيضا من اتصالي المباشر باللغة التركية من خلال والدتي التركمانية التي كانت تتحدث أحيانا بها إلى أقربائها وإلى جيراننا الأتراك في الحيّ. 
وفي فترة شبابي من دون أن أخوض في التيارات والحركات الفكرية البعيدة عن السياسة أو المرتبطة بالسياستين الداخلية والخارجية لتركيا اطّلعت داخل سوريّة على بعض مؤلفات عزيز نيسين. 
 لكن عندما وصلت تركيا عام 2013 تقريبا أثار مدرس اللغة التركية علي كاجماز رغبتي في الاطلاع على مزيد من هذا الشعر من خلال اختياره بعض المقطوعات في دروسه
مثل النشيد الوطني لمحمد عاكف أرصوي و مقطع من قصيدة للشاعر نجيب فاضل تحت عنوان:

 

Zindandan Mehmed'e Mektup
Çaycı, getir, ilâç kokulu çaydan!

Dakika düşelim, senelik paydan!


ولأني أحب قراءة الشعر بلغته الأصلية ومحاولة فهمه ثم الانتقال إلى الترجمة لاستيعاب معانيه بحثت عن الشاعر والقصيدة كاملة ثم عثرت على مسلسل يجسد شخصية الشاعر إردام بايزيد  
وثملت من قصيدته إلى نوري باك ديل التي مطلعها:

 

Beton duvarlar arasında bir çiçek açtı

كما قرأت بعض الروايات المترجمة ولفت انتباهي في الكتابة الأدبية عامة وجود توجهين مرتبطين بالسياسة، كما الحال عند الشعب وتأكدت من خلال زملائي وآرائهم بالأدباء بين مؤيد ومعارض لأفكارهم مثل يشار كمال وناظم حكمت وإليف شفق وأورهان باموك.
وهناك بعض الأسماء التي مرت عفو الخاطر أثناء متابعتي وسائل التواصل أو تلك التي شاركت في بعض المهرجانات التي دعيت إليها.
 أما الصحف والمجلات التي تطرق ذاكرتي الآن وأتابعها أحيانا في مواقعها االالكترونية (حريييت) و (يني شفق)
مع ذلك كل قراءاتي تلك كانت وما زالت غير منظمة، ربما لعدم إتقاني التركية وأيضا لانشغالي بالعمل وأعباء الأسرة.
وفي حدود معرفتي أضيف سببا آخر وهو عدم اهتمام الطرفين بإيجاد برامج للتعاون الأدبي المشترك من أجل خلق نقاط للالتقاء وإيجاد بيئة خصبة مزروعة حبًا وإنسانية ومتجاوزة كلّ الأسلاك الشائكة.