آثار الحرب على الأدب في سوريا
إبراهيم أوسطا 


ومن أهم العوامل المؤثرة في الأدب هي الحرب، وهو ما نجده في الحرب الأهلية التي حدثت في سوريا بعد انطلاق الثورة السورية فهي خير شاهد على هذه القضية.

ومع بداية الحرب في سوريا فإن الأدب ونظرة الأديب وبعض النظرات النقدية في الأدب السوري يلاحظ أنها تغيرت مما يعتبره البعض المرحلة السادسة للأدب السوري.


الأنواع الأدبية التي كتبت في هذه المرحلة من خلال وسائل التواصل المختلفة نجد أن كل الأنواع الأدبية قد كتب فيها في هذه المرحلة كالمقالة والرواية والخاطرة والشعر وغير ذلك، واستمر كفاحهم من خلال وسائل التواصل، وهذا الإنتاج الأدبي لم ينشر بسبب ضعف الإمكانيات

            وفي الأساس هو أسلوب الكلام وهو صنعة تجميل الكلام فالأدب يعتمد على أساسين، وفي خطوطه العريضة ينقسم إلى قسمين الكلام الملفوظ والكتابة، والقسم الملفوظ كان في الوقت الذي لم تكن في الكتابة شائعة وهو ما الفته الشعوب من الحكايات والأساطير والقصص والمثيولوجيا وما يشبه هذا، وهو النتاج الأدبي الذي تناقلته الأجيال شفوياً دون كتابته، أما القسم المكتوب فهو نوع الكتابة الذي ينضوي تحته قسمان هما النظم والنثر، فالنظم هو ما يعبر به عن الشعر أما النثر فهو الكتابة المنثورة المسرودة.

وإن أحوال الإنسان المختلفة من الحرب والهجرة والنزوح والكوارث الطبيعية والحياة الدينية والمستوى الاجتماعي والتغير الجغرافي والثقافي والعواطف كالحب تدخل ضمن الأدب الإنساني ويتأثر بهذه العوامل وربما يسهم الأدب في تغييرها أيضاً، ومما تم عرضه آنفاً فإنه يحسن الاستنتاج والقول إن الأدب كان على مرّ التاريخ الإنساني جزءاً من الحياة التي نعيشها.

ومن أهم العوامل المؤثرة في الأدب هي الحرب، وهو ما نجده في الحرب الأهلية التي حدثت في سوريا فهي خير شاهد على هذه القضية، وعند التدقيق في الأدب السوري فإننا نلاحظ أنه مرّ بخمس مراحل، ومع بداية الحرب في سوريا فإن الأدب ونظرة الأديب وبعض النظرات النقدية في الأدب السوري يلاحظ أنها تغيرت مما يعتبره البعض المرحلة السادسة للأدب السوري.

            ويسمى الأدب في هذه المرحلة بأدب الثورة أو أدب المقاومة، ويمكن أن نلخص ميزات هذا الأدب الذي سمي أدب الثورة بميزتين الأولى هي معارضتها للنظام والثانية هي كونها تعكس واقع المأساة السورية في ظل الحرب التي كان لها آثار كبيرة على الإنسان السوري، وأهم الأغراض الشعرية في هذه المرحلة: الحرية ، الاستقلال، اللجوء، الغربة، الحنين إلى الوطن، تعرية الأنظمة الحاكمة، ووصف الحرب وآثارها، ومواضيع أخرى تدور في فلك هذه، وإن نظرنا إلى الأنواع الأدبية التي كتبت في هذه المرحلة من خلال وسائل التواصل المختلفة نجد أن كل الأنواع الأدبية قد كتب فيها في هذه المرحلة كالمقالة والرواية والخاطرة والشعر وغير ذلك، واستمر كفاحهم من خلال وسائل التواصل، وهذا الإنتاج الأدبي لم ينشر بسبب ضعف الإمكانيات، ولذلك فإن أغلبه كان ينشر من خلال مقاطع مرئية أو من خلال الكتب المصورة المجانية (pdf)، وقد قام بتناول هذه الحرب من خلال الشعر شعراء كثيرون مثل عمر الهزاع، محمد إبراهيم الحريري، عبد الرحمن الضيخ، عبد القادر عبد الللطيف، عبد المجيد الفريج، أنس الدغيم، مجد أبو راس، صلاح إبراهيم الحسن، محمد نادر الفريج، محمد هشام الحساني، عبد الرحمن أبوراس، حسن النيفي، مصطفى الزايد، ياسر الأطرش ومثلهم كثيرون، وفي ميدان القصة والرواية أسماء مثل ابتسام شاكوش، عبد الله مكسور، إسلام أبو شقير، أيمن مارديني، ابتسام تريسي، خالد خليفة، سوزان حسن، رائد وحش، وآيات أتاسي، مثلهم كثر أيضاً.

            الحرب فتقت بعض المواهب عند بعض الناس فجرت أقلامهم بالشعر يكتبون ويسطرون، وشعرهم كما شاعريتهم أكثرها ارتجالٌ، وهم يجدون أنفسهم أمام حادثة أو خبر أو صورة فيكتبون ما تثيره قرائحهم تجاهه ويسطرون ذلك على الورق، فشعر المقاومة هو شعرٌ يعبّر عن نفسه، وكما ورد من الأقوال السائرة (إن الإبداع يولد من الشقاء).”

             بعد هذه المقدمة فإننا نقول إن شعر المقاومة ومنذ بدايتها إلى يومنا هذا كانت له فرصة أن يكون شاهداً على الأحداث كلها، فإنك عندما تسمعه تجده ذا قوة تأثير يؤثر في الملايين ولمن إن جئت من حيث الصنعة الأدبية تجده بعيداً عن المستوى الجيد، فهو مباشر الخطاب وصادق اللهجة وهذا الشعر والإنتاج الأدبي كان يمنح القوة والثبات للثورة والثوار، وسوف أقدم باقة من الأمثلة والتي وإن لم تكن كثيرة فهي تقدم صورة عن ذلك.

ومثالنا الأول عن الحنين إلى الوطن، وهو الذي لا يفارق أي سوريّ والشاعر نادر شاليش، الشاعر نادر شاليش شاعر على أبواب السبعين من العمر يعيش في ريف حلب وهو يتابع وظيفته معلماً وهو يكابد شظف العيش ، وقد قال في ريبورتاج مصور أجري معه أنه لم يكن له أي صلة بالشعر من ذي قبل، وعندما هاجمت قوات الأسد في قريته وقتلت كثيراً من الناس واعتدت على الأعراض لملم أسرته  واستقر في مخيم أطمة للاجئين، وعندما استقر في مخيم أطمة وبدأ يعاني الصعوبات التي تحف بالمعيشة في المخيمات ويلاقي أنواع المعاناة بالإضافة إلى الشوق الذي يعصف به إلى بيته وحيه فانفجرت قريحته وانكشف إلهامه عن هذه القصيدة، وهذه القصيدة التي عنونها الشاعر بقوله "أرسلت روحي"، يتكلم فيها الشاعر عن شوقه إلى داره التي ابتعد عنها رغماً عنه ولا يجد فرصة أو أملاً بالرجوع إليها، وفي البيت الأول يتساءل الشاعر عن بيته الذي يحنّ إليه وعن خصائصه وهل بقي كما هو أم أنه تهدم ولم يبق له أثر، والبيت بالنسبة للسوريين هو أحد عناصر الوجود وهو يعني الأمل وطعم الحياة، وفي الأبيات التالية يتحدث عن حديقة بيته المليئة بأصناف الثمار والفواكه، وكان يحادثها كما لو أن يحدث إنساناً فقال:.

 

أرسلت روحي الى داري تطوف بها ...لما خطانا اليها ما لها سبلُ

أن تسأل الدار ان كانت تذكرنا.. أم أنها نسيت إذ أهلها رحلوا

أن تسأل السقف هل ما زال منتصبا.. فوق الجدار شموخا رغم ما فعلو

أم أنها ركعت للأرض ساجدة تشكو الى الله في حزن وتبتهل

أن تسأل النخل هل أكمامه نضجت أن تسأل التين والزيتون متصل

أما القطوف من الأعناق دانية مثل اللآلئ كالحوراء تكتحل

أم شجرة التوت والاغصان فارعة نائت بحمل وقد طاب بها الأُكل

هيهات يا دار أن تصفو الحياة بنا ويرجع الجمع بعد النأي مكتمل

لكن روحي ستبقى فيها ساكنة ما لي بأطمة لا شاة ولا جمل

إن مت يا دار أو طال الفراق بنا فالصبر يا دار لا يطرف لنا أمل

لا بد لليل من صبح يبدله   ويصنع النور والظلماء ترتحل

بالله يا دار لا تبدي معاتبتي   إني رحلت بحالي دونما قبل

ما كان لب بساعات الرحيل وما وقت أتيح إذ النيران تنهمل



وبما يخص الحنين إلى الوطن فإننا نرى أنه ينبغي أن نصغي السمع إلى الشاعر والأديب الأكاديمي أسامة اختيار الذي يقول في قصيدته التي عنوانها "عشق الشام" والتي تتحدث عن شوقه لدمشق الشام حيث ولد وكبر في تلك الربوع وهو يتحدث عن شوقه للشام التي يشبهها بحبيبته فيقول في أبياتها الأولى.
 

إليك أهدي عقود الياسمين

رسمت قبلتي

على خديك فجراً من حنين

ذرفت دمعتي

نهر شوق من جراح كلّ حين

حبيبتي هل تهجرين

إن يوسف الحسن قضى

فأنت دهراً من جمال في جلال

سامحيني يا شآم إذا رحلت

قد سكبت الحزن عطراً

فوق جرح الياسمين

فكم رأيت فوق جرحي ظالماً

يكوي عروقي

نصل سيف الظالمين

ثم رحلت

باحثاً في الأرض عني

غير أني

لم أجدني

بعد هاتيك السنين

فيا دمشق اغفري

ذنب المحب إذا رحل

هل تغفرين

?

والمتاعب التي يعانيها في الغربة الشاعر عبد القادر عبد اللطيف المولود في حلب فيقول في قصيدته التي عنوانها "خذني إليك " حيث يحاول وصف العيد الذي يمر عليه في الغربة ويقول في ذلك إن العيد الذي يمرّ في الغربة يعادل الموت:.

 

روائح العيد فاحت حول خيمتنا... لا طعم للعيد قل للعيد والعطل

يا أيها الوطن الأولى بدمعتنا...  تشتاقك الروح حيث القلب منك صلي

حاولت إرسالها عن كل مغترب... حملتها لم يقم من حملها جملي

أرجعتها في جرار الشوق أحفظها... ورحت أثمل من تخميرها جُمَلي

الدمع إن فاض من فقد يقهقرنا ...ما جاء إلا بحرق القلب والمقل

يا موطني يا جميل الوجه يا حلمي ...وحلم كل الذين اشتاقهم غزلي

أرنو بوجهك مجرى الدمع يصحبني... إلى معاليك إذ يحلو به  أملي

خذني إليك فهذا البعد أتعبني... إني أراني -وربي- قد دنا أجلي



وبالنسبة للظلم الذي مارسه النظام السوري على شعبه نجد الطبيب الشاعر أنور الحجي الذي اضطر لترك بلده بسبب الحرب التي نشبت هناك واستقرّ به المطاف في إستانبول نجده يقول في قصيدته التي عنونها "أنا لم أمت أنا إنسان" ونجد في هذه القوافي ردّة فعل الشاعر على المعاملة غير الإنسانية التي تمارس في بلده ضد أهله وشعبه.
 

أنا لم أمت أنا الإنسان

ستون ألف رصاصة في أضلعي تاهت

ولكن لم أمت

ستون ألف رصاصة

هتكت شراييني

وجرحي غائر حتى حنين القلب والذكرى وأشواقي الدفينة

لكن لم أمت

ستون ألفاً بل ملايين الضحايا كفنت أو دفنت أو غيبت

في أبحر النسيان

لكن لم أمت

ستون ألف مصيبة عاشت على الأحلام والآلام والأقلام

لكن لم أمت

ستون ألف ألف مشرد تاهوا بأعماق البحار

لا زاد لا مأوى ولا كفّ حنون ولا نهار

لكن لم أمت

ستون ألف منافق قد أوغلوا دجلاً وحقداً في دمي

ولكن لم أمت

      ستون ألف صحيفة قد زورت كتبي وأرقامي وأحلامي ودربي

        لكن لم أمت

       ستون ألف مرحّل ومهجر ومسجّر في غرفة التحقيق

        لكن لم أمت

         ستون ألف خيانة وخديعة قد مررت في موطني

        ولكن لم أمت

      ستون ألفاً من أعاصير الشتاء جاءت تدمّر في ربيع العرب

     لكن لم أمت



وفي النهاية فإنه من المفيد أن نقول: إن أي صاحب قلم يريد أن يكتب في شعر المقاومة فإنه لا بد أن يكون محفوفاً بنوع خاص المصاعب، وإن من يكتب بقلمه الحر وبخاص فكره سيجد نفسه قلقاً على أمن نفسه بعد مدة، وبناء على هذا: فإن كثيراً من أصحاب الأقلام وخوفاً من القتل أو السجن قد أحجم عن الكتابة أو كتب باسم مستعار، والبعض لم يكتب باسمه الحقيقي أو نشر نتاجه دون أن يذيله باسم.